الصراع في السودان: شظايا الحرب وتأثيرها على الدول المجاورة

داد التأثيرات الخارجية للحرب الجارية في السودان منذ منتصف أبريل 2023، حيث تعاني الدول السبع المجاورة – إثيوبيا، تشاد، مصر، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان، إريتريا وليبيا – من نتائج الهجرة، التجارة، والاضطراب الأمني.

على الجانب الآخر، تُركِّز الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية والعربية اهتمامها على قضية “الإرهاب” وأمن البحر الأحمر.

بالإضافة إلى الآثار الأمنية الناجمة عن الحرب، أدت الهجرة الجماعية لللاجئين السودانيين عبر الحدود إلى حدوث ضغط اقتصادي واجتماعي كبير على العديد من الدول المجاورة للسودان.

أضرار اقتصادية

مع استمرار الحرب لفترة طويلة، انخفضت أنشطة التجارة الحدودية بشكل كبير، حيث وصلت نسبة التراجع إلى 90% مع بعض الدول المجاورة. وقد ترتبت على ذلك عواقب وخيمة، خصوصًا على الدول التي كانت تعتمد على الموانئ السودانية في صادراتها ووارداتها، مثل جنوب السودان وتشاد، وكذلك إثيوبيا إلى حد ما.

ظهر التأثير بشكل أكبر على دولة جنوب السودان التي تعرضت لضربة مزدوجة نتيجة الحرب، حيث كانت تعتمد بشكل كامل على الأراضي السودانية لتصدير النفط الذي يشكل حوالي 90 في المئة من عائداتها الوطنية. كما كانت تعتمد على الأسواق السودانية لتلبية أكثر من 70 في المئة من احتياجاتها من المواد الغذائية وغيرها.

أنتجت الحرب في السودان تحديات كبيرة لدولة جنوب السودان، حيث وصل معدل التضخم إلى أكثر من 200 في المئة نتيجة انخفاض عائدات النفط، مع تدهور شديد في ظروف الحياة.

ازدادت حدة الأزمات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في جنوب السودان بسبب تدفق أكثر من 650 ألف لاجئ من السودان.

حالياً، يعاني 46% من السكان، الذين يبلغ عددهم حوالي 12 مليون شخص، من مستويات مقلقة من انعدام الأمن الغذائي.

تأثرت دولة تشاد المجاورة بشكل كبير أيضاً بسبب اعتمادها التاريخي على التجارة عبر الحدود مع السودان.

يقول المحلل الصحفي المتخصص في الشؤون الإفريقية، عبدالله الجابر: “منذ بداية الحرب في السودان، عانت تشاد من زيادة أسعار العديد من السلع التي كانت تُستورد عبر الحدود السودانية، مثل السكر وبعض السلع الاستراتيجية الأخرى”.

يوضح الجابر لموقع سكاي نيوز عربية أن “بعد بدء الحرب، توقفت العديد من الأنشطة التجارية والصناعية والسياحية بين تشاد والسودان”.

انفلات أمني

خلال الفترة الأخيرة، برزت دلائل إضافية على وجود اتصالات بين جماعات مقاتلة في عدة دول أفريقية مجاورة وأطراف النزاع في السودان.

يتبادل الجيش السوداني وقوات الدعم السريع الاتهامات بشأن الاستعانة بمجموعات مسلحة من الدول المجاورة، حيث يزعم الجيش أن هناك مجموعات من تشاد وأفريقيا الوسطى تشارك في القتال مع قوات الدعم السريع، بينما نشرت الأخيرة مقاطع فيديو تدعي أنها تظهر قوات من جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية تقاتل إلى جانب الجيش السوداني.

في مايو، أعلنت الحكومة الإثيوبية في بيان أنها تلقت معلومات تشير إلى وجود قوات من جبهة تحرير تيغراي تقاتل جنبًا إلى جنب مع الجيش السوداني. كما أشارت إلى وجود قوات تابعة لجبهة تيغراي في مخيمات اللاجئين في السودان، ولم تدخل إلى إثيوبيا، وذلك بعد اتفاق السلام الذي وُقع بين الجانبين في بريتوريا في نوفمبر 2022.

يشير المراقبون إلى أن الحرب في السودان تثير قلق بعض الدول المجاورة التي تواجه حركات مسلحة تعارض حكوماتها المركزية.

في إثيوبيا، هناك ثلاث جماعات مسلحة تتصارع مع الحكومة الفيدرالية، وهي “جبهة تحرير تيغراي” وجيش تحرير أورومو وحركة “فانو” التي تنتمي إلى مجموعة الأمهرة العرقية، وتعرف أيضًا بـ “قوات الأمهرة الشعبية”.

تنتشر في أفريقيا الوسطى 14 جماعة مسلحة، من أبرزها تحالف “سيليكا” الذي يقوده الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي، بالإضافة إلى “الجبهة الشعبية”، وحركة “محرري أفريقيا الوسطى من أجل العدالة”، ومليشيا “أنتي بالاكا”.

تخوض القوات الحكومية في جنوب السودان حربًا مستمرة منذ أكثر من تسع سنوات ضد عدة فصائل مسلحة، بعض منها انفصل عن الجيش الشعبي الذي تتزعمه الحركة الشعبية لتحرير السودان، التي تسيطر على البلاد منذ انفصالها في عام 2011.

يؤكد موسى شيخو، الخبير في الشؤون الاستراتيجية الأفريقية، أن أي خلل في أي دولة من دول المنطقة يؤثر على الدول الأخرى، مما يسبب حالة من عدم الاستقرار الأمني.

يوضح شيخو في تصريح لموقع سكاي نيوز عربية أن استمرار الحرب في السودان لفترة طويلة يؤدي إلى تداعيات حدودية خطيرة للغاية، حيث أن الانشغال بالحرب يقلل من القدرة على مراقبة الحدود، مما يتيح المجال لسيطرة الجماعات المسلحة التي لا تخضع لسلطة الدولة.

تمدد الإرهاب

يثير انتشار النزاع في 13 ولاية من أصل ثماني عشرة ولاية في البلاد قلقًا شديدًا بشأن إمكانية تشكيل بيئة ملائمة للجماعات الإرهابية العابرة للحدود.

خلال الأشهر التي تلت بداية الحرب، ظهرت الكتائب والميليشيات الأمنية التي بدأ تنظيم الإخوان في تشكيلها منذ بداية التسعينيات، حيث جند لها آلاف الشباب لحماية التنظيم.

في ضوء التقارير التي تشير إلى وجود جماعات إرهابية إقليمية، زادت المخاوف من احتمال استغلال هذه الجماعات لعمليات التعبئة العامة والوضع الأمني المتقلب الحالي.

لقد أدت العلاقة العابرة للحدود مع الجماعات الإرهابية إلى زج السودان في عدة عمليات في الدول المجاورة على مدار العقود الثلاثة الماضية، أبرزها محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك في إثيوبيا عام 1995، وتفجير السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، بالإضافة إلى استهداف البارجة الأميركية “يو إس كول” بالقرب من شواطئ اليمن عام 2000.

في هذا الإطار، يوضح الأكاديمي والباحث في شؤون الإرهاب عبد المنعم همت لموقع سكاي نيوز عربية أن “الحرب الحالية قد تعزز الأنشطة الإرهابية في أفريقيا بعدة طرق. فاستمرار النزاع يؤدي إلى ضعف المؤسسات الحكومية، مما يخلق فراغاً في السلطة يمكن للجماعات الإرهابية استغلاله لفرض نفوذها والسيطرة على مناطق محددة، لا سيما في المناطق الحدودية النائية”.

ويقول: “مع تدهور الأجهزة الأمنية وضعف السيطرة الحكومية، يصبح من السهل تهريب الأسلحة وانتشارها عبر الحدود، مما يعزز من قدرات الجماعات الإرهابية في السودان والدول المجاورة.”

يشير همت إلى أن موقع السودان يجعله نقطة انطلاق مثالية لتشغيل شبكات تهريب البشر والأسلحة والمخدرات والجماعات الإرهابية.

يشير همت إلى أن الدول المجاورة للسودان، مثل تشاد وجنوب السودان، تعاني من ضعف في الأمن، وقد تتأثر بصورة مباشرة بفعل الحرب في السودان، مما يخلق بيئة مناسبة لنمو الجماعات الإرهابية في المنطقة.

امن البحر الأحمر

أثارت الحرب في السودان القلق الأمريكي والدولي بشأن أمن البحر الأحمر، خاصة بعد تعاون الحكومة الحالية في بورتسودان مع روسيا وإيران من أجل الحصول على الأسلحة.

يتمثل اهتمام روسيا وإيران بالسودان في سياق تنامي اهتمام القوى الإقليمية والدولية بمنطقة البحر الأحمر، نظراً لأهميتها كممر رئيسي لنقل النفط والتجارة الدولية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي من الناحية العسكرية.

بعد بدء الحرب وتغير موازين القوى في العلاقات الدولية وزيادة احتياجات الجيش للسلاح، عاد الحديث مجددًا عن محاولات لإحياء اتفاق وقعته روسيا في عام 2017 مع نظام عمر البشير الذي حكم السودان من 1989 حتى 2019، والذي ينص على إقامة قاعدة بحرية على البحر الأحمر. وهذا الأمر يثير قلق الولايات المتحدة الأميركية والعديد من الدول الأخرى التي تعتبر أن إنشاء هذه القاعدة الروسية يمثل تهديدًا للأمن الدولي.

يمتاز السودان بساحل يمتد على طول 700 كيلومتر على البحر الأحمر، الذي تشترك فيه أيضًا كل من السعودية ومصر وجيبوتي والصومال وإريتريا والأردن واليمن. وبعد اندلاع الحرب الحالية، حاولت موسكو إحياء المشروع من أجل تمويل الجيش بمتطلباته من الأسلحة والمعدات.

يقول وزير الخارجية السوداني السابق إبراهيم طه أيوب لموقع سكاي نيوز عربية إن حكومة بورتسودان تواجه أزمة حقيقية، وليس لديها خيار سوى الاتجاه إلى روسيا للحصول على السلاح والخبرة العسكرية، وربما الدعم في المحافل الدولية. وتفيد التقارير بأن حكومة بورتسودان حصلت على تعهدات من موسكو بتوفير إمدادات عسكرية كبيرة مقابل الحصول على ضمانات لإقامة قاعدة روسية على سواحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى امتيازات كبيرة في مجالي التعدين والزراعة.

تفيد التقارير بزيادة ملحوظة في التواجد الإيراني على السواحل السودانية المطلة على البحر الأحمر.

وأكدت تلك التقارير توقيع مجموعة من الاتفاقيات لتعزيز الوجود الإيراني في السودان، وذلك من خلال أنشطة عسكرية تتعلق بالعلاقات الخاصة بالأسلحة والتدريب، بالإضافة إلى أنشطة اقتصادية تمثلها شركات تعمل في مجالات التعدين والاستثمارات الزراعية والحيوانية.

مؤشرات

تعاني العديد من الدول المجاورة للسودان من آثار تدفق اللاجئين السودانيين الذين يفرون من النزاع المستمر.

وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية غير حكومية، فإن عدد السودانيين الذين عبروا الحدود إلى الدول المجاورة بلغ حوالي 3 ملايين شخص، حيث توجه نحو 70% منهم إلى أربع دول مجاورة هي مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.

تشهد العديد من المناطق على الحدود معارك شديدة.

تشكل الفاشر، عاصمة إقليم دارفور التي تشهد قتالاً عنيفاً منذ أكثر من أربعة أشهر، عمقاً استراتيجياً باتجاه تشاد وأفريقيا الوسطى. بينما يعتبر محور سنار والنيل الأزرق من النقاط التي تثير القلق بالنسبة لإثيوبيا ودولة جنوب السودان.

وسط قلق اميركي ودولي وعربي متزايد،

تعمل روسيا على تنفيذ اتفاقية القاعدة البحرية التي تمتد لخمسة وعشرين عاماً.

تشير الاتفاقية إلى إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان تمكنها من استضافة سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، حيث يمكنها استيعاب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني في آن واحد، بالإضافة إلى قدرتها على استقبال أربع سفن في نفس الوقت.

قناة سكاي نيوز


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.