أزمة مركّبة للسودانيين في لبنان ومطالب بإجلائهم

تجمع بعض طالبي اللجوء السودانيين في مقهى بالعاصمة اللبنانية بيروت في 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفي مقدمتهم الناشط السوداني عبد الباقي عثمان، الذي يحظى باحترام كبير بينهم، والذي تحدث بانفعال شديد عن أنهم عالقون بين أزمة في وطنهم السودان وأخرى في لبنان.

وناشد المجتمعون المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لنقل طالبي اللجوء واللاجئين السودانيين المسجلين لديها في لبنان إلى إيطاليا أو تركيا أو قبرص، إلى حين أن يُنظر في طلبات لجوئهم، أو إلى حين إعادة توطينهم بشكل دائم في مكان آخر.

وكان بين جموع الحاضرين يحيى عثمان الذي حمل لافتة كُتب عليها “لا للعنصرية، لا للعنف الاجتماعي، أوقفوا قتل المدنيين والأطفال”، وقال للجزيرة نت “نحن ندرك أن بمقدور الأمم المتحدة توزيع اللاجئين وطالبي اللجوء على بلدان مختلفة وآمنة، لكنها لا تفعل أي شيء”، وأضاف “نريد الذهاب إلى مكان حيث لا يكون الناس فيه في حالة حرب”.

بين حربين
تقول مفوضية اللاجئين إن 400 مواطن سوداني تقدموا بطلبات لجوء في لبنان منذ بدء الحرب في السودان، كان من بينهم يحيى (38 عاما)، الذي ينحدر من قبيلة غير عربية في إقليم دارفور في السودان، والذي يخشى من أن يتعرض للاضطهاد من طرفي الحرب بسبب انتمائه العرقي.

فقد سبق أن استهدفت قوات الدعم السريع المجتمعات غير العربية، مما أدى إلى توجيه اتهامات لها بارتكاب أعمال تطهير عرقي وإبادة جماعية، لكن وفي الوقت نفسه، اتهم الجيش باعتقال مدنيين من دارفور للاشتباه في تجسسهم لصالح قوات الدعم السريع، وفقا لتقرير صادر عن جماعات حقوقية محلية ودولية وفريق من الباحثين تابع لكلية الدراسات الشرقية والآسيوية.

ونظرا لخطورة الأوضاع في السودان، كان يحيى يشعر بالأمان في لبنان، إلى أن زادت إسرائيل من حدة حربها ضد البلاد في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يعلن عن وقف إطلاق النار ويدخل حيز التنفيذ اليوم.

كان يحيى وزوجته نوكادا يعملان في مزرعة بمحافظة النبطية الجنوبية، عندما بدأت إسرائيل باستهداف لبنان بقصف مكثف، وفرّ صاحب العمل بينما أمر الزوجين بالبقاء وحماية المزرعة، فعاشا أياما مرعبة وكانا يجدان خلالها صعوبة بالخلود إلى النوم، فيما كانت القنابل تضيء عتمة الليل، دون أن يجدا سيارة للهروب أو ملاذا.

وقال يحيى “في الليل، كنت أرى الصواريخ الإسرائيلية والقنابل العنقودية وهي تلقى علينا من الجو، كان الأمر مرعبا للغاية، أتذكر كيف كانت تتفتت إلى شظايا صغيرة وتتساقط من حولنا”، وبعد 10 أيام، قرر يحيى وزوجته التوجه إلى بيروت سيرا على الأقدام، وبقيا يمشيان لأيام، قبل أن يصلا أخيرا إلى مدينة صيدا، التي تبعد حوالي 44 كيلومترا عن العاصمة، استقلا سيارة تقل سوريين وسودانيين متوجهين إلى بيروت.

النادي الثقافي السوداني
تأسس النادي الثقافي السوداني، الذي يقع في أحد شوارع بيروت الجانبية، في عام 1967، ليكون مكانا تلتقي فيه الجالية التي لطالما عانت من التمييز العنصري في لبنان، وعلى مدى سنوات، كانت الجالية السودانية تجتمع في النادي للاحتفال بالأعياد وحضور المناسبات الثقافية والتواصل الاجتماعي وتناول الوجبات معا، وفي الغرفة الخلفية، كان الرجال السودانيون يلعبون الورق ويدخنون ويحتسون الشاي طوال الليل.

لكن بعد الغزو الإسرائيلي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أضحى النادي مثوى للنازحين السودانيين والعمال المهاجرين الآخرين، حيث انضم يحيى وزوجته إلى أكثر من 100 شخص لجؤوا إلى النادي ومعهم العديد من العائلات الأخرى.

يقول يحيى إن وجود الناس في النادي ليس مريحا في بعض الأحيان، نظرا للتوترات التي تحدث بسبب عدم وجود مساحات ودورات مياه كافية، لكن النازحين يتعاونون في الطهي والتنظيف والعناية ببعضهم بعضا، لكنه في الوقت نفسه يشعر بالامتنان لوجود ملجأ، ويدرك أيضا أن النادي ليس سوى حل مؤقت، لهذا فهو يؤيد مناشدة الجالية إجلاءهم إلى بلد ثالث آمن ريثما تتم معالجة طلبات لجوئهم.

ثغرة في الحماية
يهرب معظم طالبي اللجوء من خطر الاضطهاد أو الحرب ليلتمسوا اللجوء في بلد قريب، وهناك يسجلون أسماءهم في أقرب مكتب للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وغالبا ما ينتظرون سنوات حتى تقرر ما إذا كانت ستمنحهم صفة لاجئ أم لا.

لكن المفوضية عادة لا تعترف سوى ببعض مقدمي الطلبات كلاجئين، بل إن عددا أقل يُعاد توطينهم في بلد ثالث لبدء حياة جديدة، وهذا يعني أن معظمهم سيقضون حياتهم في البلد الذي طلبوا اللجوء إليه في البداية، ويكابدون الفقر ونقص الفرص، وغالبا ما يتعرضون لسوء المعاملة من السلطات المحلية.

ووفقا لتقرير منظمة الدولية للهجرة، يوجد حوالي 11 ألفا و500 مواطن سوداني في لبنان، ومن بين هؤلاء، تم تسجيل 2727 منهم كلاجئين وطالبي لجوء، طبقا للمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بينما يطالب حوالي 541 شخصا بالإجلاء، معتمدين على عثمان وغيره من قادة الجالية.

من جهته، قال عثمان للجزيرة “المفوضية تقول إنها لا تقوم بالإجلاء، وهذا غير صحيح، إنها فضيحة”، وأشار إلى عمليات الإجلاء التي أشرفت عليها المفوضية من ليبيا، حيث تم نقل أكثر من 2400 طالب لجوء ولاجئ إلى رواندا في 19 رحلة إجلاء بين عامي 2019 و2024.

وبحسب المفوضية العليا، فإن عمليات الإجلاء تمت بفضل مذكرة التفاهم الموقعة بينها وبين ليبيا والاتحاد الأفريقي ورواندا، كما نُقل مئات آخرون مؤقتا إلى إيطاليا عبر ممر إنساني أنشأته جماعات أهلية تكفلت برعاية طالبي اللجوء بالتعاون مع المفوضية، التي اقتصر دورها على تحديد طالبي اللجوء واللاجئين المعرضين للخطر وتسهيل سفرهم.

ويعتقد جيف كريسب، الخبير في شؤون اللجوء والهجرة في جامعة أكسفورد والرئيس السابق لقسم السياسات والتنمية في المفوضية، أن المفوضية ربما تكون مترددة في الدعوة إلى تنفيذ مزيد من عمليات الإجلاء، مبررا ذلك بقوله “لأن ذلك ستكون له تداعيات، حيث سيشرع اللاجئون في جميع أرجاء العالم بتقديم طلبات لإجلائهم بشكل مؤقت”.

وبرأيه، فإن عدم وجود إطار عمل دائم لمساعدة طالبي اللجوء العالقين في الحرب يشكل ثغرة في الحماية الدولية للاجئين، نظرا لأن البلدان المضيفة ليست دائما آمنة، ويضيف “لدينا الآن حالات مثل الأوضاع في ليبيا أو لبنان، حيث يعلق اللاجئون وطالبو اللجوء في صراعات شرسة للغاية”.

من جانبها، قالت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، دلال حرب، للجزيرة إن عمليات الإجلاء من ليبيا كانت “استجابة لأزمة معينة ولم يكن المقصود منها أن تكون أطر عمل دائمة”، وذكرت في رسالة بالبريد الإلكتروني أن “الجدوى من تكرار مثل هذه العمليات تعتمد على عوامل مختلفة، بما في ذلك مدى استعداد دول ثالثة لاستضافة الأشخاص الذين تم إجلاؤهم، والموارد المتاحة والظروف الخاصة بالأزمة”.

لكن يحيى غير مقتنع بما ذكر، فهو يقول “نحن نريد من المفوضية أن تقوم بإجلائنا، ونحن نعرف أن لديها القدرة على إعادة توزيع طالبي اللجوء واللاجئين إلى بلدان أخرى”.

ووفقا لدلال حرب، فإن المفوضية تحث الحكومات الغربية على سرعة نقل اللاجئين المعترف بهم الذين ينتظرون إعادة توطينهم من لبنان، “وهذا يشمل السودانيين، بالإضافة إلى اللاجئين من جنسيات أخرى”، كما جاء في رسالتها الإلكترونية.

الملاذ الأخير
وبحسب عثمان، فمن المرجح أن يلجأ العديد من طالبي اللجوء واللاجئين إلى المهربين إذا كان بإمكانهم تحمل النفقات، وعلى الرغم من المخاطر، فإن عثمان يحذر من أن العديد من طالبي اللجوء السودانيين سيبحثون عن أي مخرج من لبنان إذا تدهور الوضع.

وغالبا ما يضع المهربون الأشخاص الضعفاء على متن قوارب مكتظة ويدفعون بهم في اتجاه أوروبا، وقد وصل العديد منهم إلى قبرص من لبنان في السنوات الأخيرة، لكن آخرين غرقوا.

ومع ذلك، يقول يحيى إن معظم طالبي اللجوء لا يملكون المال اللازم للهروب، أما أولئك الذين يملكون المال فيدفعون ما بين ألفين و3 آلاف دولار للوصول إلى تركيا عبر سوريا.

وأضاف “نحن قلقون من أن يزداد الوضع سوءا هنا، ولأننا لا نملك المال، فليس لدينا خيار سوى الاعتماد على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، قائلا إن طالبي اللجوء السودانيين يدعون الله أن يتولاهم برعايته أثناء بقائهم في لبنان.

الجزيرة نت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.