الكاش في السودان.. من أداة دفع إلى تجارة رابحة

بين ليلة وضحاها، ومع اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل، انقلبت الحياة في السودان رأسًا على عقب. فجأة، أصبح “الكاش” هو الذهب الجديد، وصار الحصول عليه معركة يومية، في وقت تضاءل فيه الأمل في السيولة النقدية. لم يعد المال مجرد وسيلة للتبادل، بل أضحى عبئًا ثقيلًا يحمل في طياته أعباءً متعددة تؤثر في حياة المواطنين بشكل عميق.

الذهب الجديد.. معركة يومية للحصول على الكاش
مع تفاقم الأزمة، تحول “الكاش” إلى رمز نادر في سوق سوداني يعاني من أزمات متراكمة، تزيد من أوجاع المواطنين وتثقل كاهلهم، وسط غياب النظام المصرفي والظروف القاسية التي يعيشها الناس.

تشوهات السوق.. ارتفاع الأسعار والتعامل بالربا
وتُضاف إلى هذا الواقع المعقد تشوهات أخرى تزداد يومًا بعد يوم، مثل ارتفاع الأسعار المبالغ فيه للسلع المباعة عبر التطبيقات المصرفية، مقارنة بتلك التي يتم تداولها بالكاش. وأكثر من ذلك، فإن تفشي التعامل بالربا في صفقات تحويل العملة الورقية إلى إلكترونية والعكس يزيد من تعقيد الوضع المالي، ليصبح المواطن ضحية لاستغلال مالي مفرط.

الجشع ينهش الاقتصاد.. عمولات مرتفعة وسفر طويل
ومع تفشي الجشع، صارت التحويلات البنكية تجارة محكومة بالعمولات المرتفعة والرحلات الطويلة، حيث يضطر الناس إلى السفر عبر مسافات شاسعة للوصول إلى أماكن فيها اتصال بالإنترنت أو أشخاص مستعدين لاستبدال المال. تتضاعف الأعباء، فتزيد العمولة من 5% إلى 10%، ومعها تزداد مصاريف التنقل ورسوم الاتصال، مما يفاقم حجم المأساة.

صدمة في مواجهة الجشع.. حكايات مثيرة
وفي هذا السياق، تكشف الحكايات الواقعية التي رواها المواطنون لـ”العربية.نت” عن الصدمة التي يعيشونها في مواجهة هذا الجشع المتزايد. فعلى سبيل المثال، في ولايات عديدة، شهدت حالات يُستبدل فيها الكاش مقابل 15% من قيمته بل وأكثر من ذلك، مما أثار موجة من الغضب والرفض، ليعكس الواقع القاسي الذي يعيشه المواطنون في ظل هذه الأزمة.

ويستذكر الصحفي نصر الدين عبد القادر حادثة مثيرة وقعت في الشمباتة بولاية سنار في نوفمبر الماضي، حيث قال لـ”العربية.نت”: “بينما كنا ننتظر بقلق، جاء رجل يحمل جوالًا مملوءًا حتى نصفه بالنقود. وقف بين الجموع وأعلن بكل برود أن كل مائة جنيه عبر التطبيق تُستبدل مقابل 15% من قيمتها. كان الأمر صادمًا، وكأننا في مشهد من فيلم درامي. اشتعلت الأجواء فجأة، وثار الناس في وجهه وطردوه خارج المكان، في لحظة مليئة بالغضب والرفض لهذا الجشع الشديد”.

تلك اللحظة تعكس حال المواطنين الذين باتوا يواجهون معركة يومية في سبيل الحصول على السيولة النقدية، وسط هذا الاستغلال المفرط.

كيف أصبح الكاش عبئًا ثقيلًا على السودانيين؟
ومع تزايد الجشع في سوق التحويلات، أصبح الحصول على “الكاش” أمرًا مستحيلاً دون فقدان جزء كبير من المبلغ في صورة عمولات تتراوح بين 10% إلى 30%، مما يجعل جزءًا كبيرًا من الأموال يختفي في معركة استعادة السيولة، ويزداد العبء على كاهل المواطنين في مناطق سيطرة القوات المختلفة.

التجارة الصامتة.. العودة إلى أساليب التبادل القديم
ومع تفشي الأزمة، يضطر العديد من المواطنين في مناطق مثل كردفان ودارفور إلى العودة إلى أسلوب المقايضة، حيث يتم تبادل السلع مقابل سلع أخرى عن طريق المقايضة أو مايعرف بالتجارة الصامتة؛ كحل اضطراري للبقاء على قيد الحياة. هذا التحول إلى أساليب قديمة للتبادل يعكس الانهيار الاقتصادي العميق الذي يعيشه السودان، ويظهر كيف أن الأزمة الاقتصادية دقت أبواب القرى والمدن لتجبر الناس على العودة إلى أساليب التجارة الغابرة التي تجاوزها الزمن. ففي وقتٍ صار فيه المال شحيحًا، أصبح تبادل الماشية والسلع بالمقايضة، الوسيلة الوحيدة للتعامل مع الأزمات اليومية.

شلل النظام المصرفي.. البنك المركزي خارج الخدمة
وبينما يعاني النظام المصرفي من شلل شبه كامل نتيجة للظروف الأمنية، أُغلِق ما يزيد عن نصف فروع بنك السودان المركزي، ما جعل من المستحيل متابعة أوضاع العملة الوطنية. ويزداد الوضع سوءًا مع إغلاق الطرق وصعوبة نقل الأموال إلى المناطق المتضررة.

حصار اقتصادي.. صعوبة نقل الأموال وتفاقم الوضع
وفي ظل هذا الحصار الاقتصادي، يتفاقم الوضع أكثر فأكثر، فحتى في الولايات الآمنة، يواجه المواطنون صعوبة في الوصول إلى الخدمات المصرفية، ويُحرمون من أبسط حقوقهم في الحصول على السيولة. هذا الواقع يعكس مدى تفشي الأزمة الاقتصادية في البلاد ويزيد من معاناة المواطنين في ظل غياب أي أفق للحل

العربية نت


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.