كيف تربع الدولار على عرش العملات في العالم؟
الولايات المتحدة الأميركية هي أقوى دولة في العالم في عصرنا الحالي، أسباب صعودها ومقومات هيمنتها عديدة، ومن بينها بلا شك الدولار الأميركي. هو العملة الأكثر تداولاً في العالم، به تسعر أهم السلع من الذهب إلى الوقود، ويسيطر منذ بضعة عقود على معظم المبادلات التجارية بين الدول، فكيف بلغ الدولار الأميركي هذه المكانة ليتربع على عرش العملات في العالم؟
الولايات المتحدة من مدينة إلى دائنة
عبر التاريخ اعتادت الدول في الغالب أن تربط عملاتها بالذهب، أي أنها كانت تحتفظ في مقابل كل ورقة نقدية تنتجها بكمية محددة من الذهب. وبما أن الذهب موجود بكميات محدودة، كذلك كانت كميات المال محدودة وطباعته مقيدة تلقائياً. وبناء على هذا الربط كانت الدول تجري المبادلات التجارية في ما بينها، إذ كانت كل دولة تحدد سعر أونصة الذهب بعملتها المحلية، ففي بريطانيا كان سعر الأونصة قبل الحرب العالمية الأولى محدداً بـ4.25 جنيه استرليني في مقابل 20.67 دولار في الولايات المتحدة، مما يعني أن كل جنيه استرليني كان يساوي 4.87 دولار. ولضمان صدقية هذا النظام، كانت الدول تكفل استبدال عملتها الورقية بما تساويه من المعدن الأصفر عند الطلب.
لكن في خضم الحروب الطاحنة والأزمات الاقتصادية، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة و”الضرورات تبيح المحظورات”، فسعياً إلى تمويل التكاليف الهائلة للصراعات، تخلت الدول مراراً عن معيار الذهب ورفعت يدها عن مكابح مطابع المال لتدر ما يكفي حاجاتها من الأوراق النقدية ولو انخفضت قيمتها. وهذا ما حصل عند وقوع الحرب العالمية الأولى عام 1914، فحينها قررت دول عدة لاسيما الأوروبية منها، وبما فيها بريطانيا، التي كانت عملتها تهيمن على النظام المالي العالمي، التخلي عن ربط عملاتها بالذهب لتتمكن من طباعة الأموال الكافية لسداد نفقاتها العسكرية، مما أدى إلى تداعي قيمة هذه العملات.
وفيما كانت الدول الأوروبية ترزح تحت عبء الحرب ودمارها وتكاليفها الباهظة، كانت الولايات المتحدة التي قررت البقاء في منأى عن الصراع، تشهد في المقابل ازدهاراً ونمواً سريعاً على الصعد كافة مع تحولها إلى مصدر تموين الدول الأوروبية بالأسلحة والسلع الأخرى. وبذلك ارتفعت صادراتها وقبضت ثمنها بالذهب، لتجمع بذلك احتياطاً كبيراً من الذهب، وتتحول من دولة مدينة قبل الحرب العالمية الأولى إلى دولة دائنة بحلول عام 1919.
ولم يكد يمر 20 عاماً تخللتها أزمة “الكساد العظيم” التي أرهقت معظم دول العالم في ثلاثينيات القرن الـ20، حتى جاءت الحرب العالمية الثانية أواخر 1939 لتفاقم متاعب الدول الأوروبية وتستنزف اقتصاداتها وعملاتها مجدداً. هذه المرة أيضاً كانت الولايات المتحدة مورد الأسلحة والسلع الأساس للدول المتحاربة قبل انخراطها في الصراع، فراكمت في خزائنها الذهب حتى أصبحت تمتلك أكبر احتياط من المعدن الأصفر في العالم، فيما نفدت احتياطات الدول الأخرى.
حقائق عن الدولار
أوراقه مصنوعة من 25 في المئة من الكتان و75 في المئة من القطن.
أوراقه تحتوي على ألياف اصطناعية صغيرة حمراء وزرقاء
لتمزيق ورقة دولار واحدة يجب طيها للأمام والخلف 4 آلاف مرة
مهما كانت قيمتها المالية، تزن ورقة الدولار غراماً واحداً
ما بين نصف وثلثي قيمة العملة الأميركية المتداولة موجودة خارج الولايات المتحدة
الحاجة إلى نظام جديد
تكاليف الحرب العالمية الثانية كانت باهظة على الدول المتحاربة لاسيما الأوروبية، والدمار الهائل الذي خلفته كان يستدعي استثمارات كبيرة لإعادة الإعمار. وفي ظل الفوضى الاقتصادية والسياسية، كان لا بد من نظام اقتصادي دولي قادر على إخراج العالم من الخراب الذي حل به بعيداً من السياسات الانعزالية.
والمقصود بالسياسات الانعزالية، هو ما شهده العقد الذي سبق اندلاع الحرب العالمية الثانية الذي تخللته أزمة “الكساد العظيم” التي فاقمتها سياسات الاقتصادات المغلقة والتنافسية والحواجز التي أقامتها الدول في ما بينها. وشملت هذه السياسات تخلي الدول عن معيار الذهب، وخفض قيمة عملاتها لتصبح منتجاتها أرخص وأكثر تنافسية، وفرض قيود على المبادلات التجارية شملت تعريفات جمركية مرتفعة، وإنشاء تكتلات تجارية تمييزية، وغيرها من الإجراءات التي أسهمت في زعزعة استقرار النظام الدولي.
على وقع هذه الاضطرابات وما رافقها من تطورات سياسية، اندلعت الحرب العالمية الثانية عام 1939. وإثر دخول الولايات المتحدة الحرب عام 1941 وترجيحها كفة الحلفاء على حساب دول المحور، بدأ المد النازي بالانحسار وشرع الحلفاء في البحث بأسس النظام الاقتصادي الدولي الجديد.
ما بين عامي 1942 و1944، عقد خبراء دول الحلفاء سلسلة اجتماعات بعضها ثنائية وأخرى متعددة الأطراف للبحث في الأسس التي سيتركز عليها النظام الاقتصادي الجديد. أرادوه أن يكون صلباً، يسهم في تدفق رؤوس الأموال وازدهار التجارة وتحقيق الانتعاش بعد أهوال الحرب والحاجة إلى الموارد والتمويل اللازمين لإعادة الإعمار. وأرادوه أن يتفادى الجمود والانعزالية التي طبعت العقد الماضي وأن يعزز التعاون بين مختلف الدول بعدما استنتجوا أن التعاون الاقتصادي هو السبيل الأمثل لتحقيق السلام والرخاء لمختلف الأطراف. وبعد عامين من المحادثات، توجت جهود الحلفاء في مؤتمر بريتون وودز.
العمر المتوقع لكل فئة نقدية من الدولار الأميركي
كينز VS وايت
في الأول من يوليو (تموز) 1944، اجتمع نحو 730 مندوباً عن 44 دولة في فندق “ماونت واشنطن” في بريتون وودز بولاية نيوهامبشير الأميركية، للبحث في تطوير نظام نقدي دولي جديد ينهي الفوضى ويؤمن الاستقرار والنمو الاقتصادي العالمي، لذلك كانت الدول المجتمعة تهدف إلى إيجاد نوع من الثبات في السياسات النقدية وأسعار صرف العملات لتسهيل المبادلات التجارية في ما بينها وحركة تنقل رؤوس الأموال، بغية تعزيز التجارة العالمية والاستثمارات في ورش إعادة الإعمار، بعيداً من القيود الحمائية وسياسة خفض قيمة العملات على نحو تنافسي.
ولتحقيق ذلك برز بصورة أساسية اقتراحان: الأول للبريطاني جون مينارد كينز، مستشار الخزانة البريطانية، الذي دعا إلى إنشاء نظام جديد يقوم على بنك مركزي عالمي يطلق عليه “اتحاد المقاصة” ويصدر عملة الـ”بانكور” التي تكون بمثابة عملة احتياط دولية تدار عبرها المبادلات التجارية في إطار نظام يتيح للبلدان تجنب العجز التجاري. أما الثاني فكان للأميركي هاري ديكستر وايت، كبير خبراء الاقتصاد الدولي في وزارة الخزانة الأميركية، الذي دعا إلى إنشاء صندوق إقراض لتمويل الدول، وآخر للسيطرة على أسعار صرف العملات في إطار نظام يقوم على تثبيت أسعار سعر الصرف وفق الدولار الأميركي المربوط بالذهب.
وبعد ثلاثة أسابيع من المحادثات، تبنى مؤتمر بريتون وودز بصورة أساسية اقتراحات وايت مع بعض التنازلات والتعديلات لمراعاة مخاوف كينز. فالدول الأوروبية الغارقة بالخراب كانت بأمس الحاجة إلى رؤوس الأموال الأميركية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار على أراضيها، فيما كانت الولايات المتحدة تمثل قوة اقتصادية وعسكرية كبيرة مدفوعة بتقدم علمي مذهل، مما جعلها جاهزة لقيادة النظام المالي الجديد.
(الموسوعة البريطانية المحدودة)
مخرجات “بريتون وودز”
بموجب اتفاق بريتون وودز، وافقت الدول الـ44 المشاركة في المؤتمر على إنشاء نظام جديد يقوم على تثبيت أسعار صرف العملات، بحيث تحدد كل دولة قيمة عملتها في مقابل الدولار الأميركي وليس في مقابل الذهب، فيما يكون الدولار نفسه مربوطاً بالذهب، على أن يكون سعر أونصة الذهب الواحدة 35 دولاراً. وللحفاظ على بعض المرونة، أتاح الاتفاق بعض التقلبات في أسعار الصرف في مقابل الدولار ضمن هامش لا يتعدى واحد في المئة. أما إذا تجاوزت التقلبات هذا السقف، فينبغي على المصارف المركزية للدول الأعضاء التدخل في السوق النقدي بيعاً أو شراء للدولار بحسب الحاجة إلى الحفاظ على ثبات سعر الصرف.
من جهتها تضمن الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر احتياط من الذهب توفير الدولارات اللازمة للتجارة الدولية شرط الحفاظ على ثبات سعر الدولار أمام المعدن الأصفر، وتلتزم واشنطن أيضاً أمام المصارف المركزية للدول الأعضاء باستبدال دولاراتها النقدية في أي وقت تريده بما تساويه من ذهب على أساس السعر الثابت 35 دولاراً للأونصة. وبكلمات أخرى يعني ذلك أنه كان على الولايات المتحدو أن تتحمل مسؤولية حجم الكتلة النقدية المتداولة للدولار بما يحفظ الثقة بقابليتها للتحويل إلى ذهب في كل آن.
وبذلك أصبح الدولار مرادفاً للمعدن الأصفر، وتحول إلى عملة احتياط دولية في ظل نظام قائم على قاعدة الصرف بـ”الدولار الذهبي”. ومع تراكم احتياطاتها من الدولار الأميركي، لجأت دول عدة إلى شراء سندات الخزانة الأميركية باعتبارها ملاذاً آمناً للاستثمار.
فضلاً عن ذلك أقرت اتفاقات “بريتون وودز” إنشاء مؤسستين دوليتين: البنك الدولي لإعادة البناء والتنمية الذي كان يهدف إلى تقديم القروض اللازمة لإعادة الإعمار بعد الحرب بأسعار فائدة منخفضة، وصندوق النقد الدولي الذي كان يهدف إلى إدارة النظام النقدي الدولي والحفاظ على ثبات أسعار صرف العملات ومنح الأذونات والمساعدات للدول الأعضاء بتخطي الهوامش المحددة عند اللازم لمعالجة الخلل في موازين مدفوعاتها. وكان صندوق النقد يقوم بمهماته عبر سلة من العملات والذهب أنشئت بمساهمة الدول الأعضاء وتجاوزت حينذاك 8 مليارات دولار، كانت مخصصة لتوفير السيولة للدول المحتاجة التي تواجه خللاً في ميزان مدفوعاتها حتى لا تضطر إلى خفض قيمة عملتها. وبحسب الاتفاق، كانت قوة صوت كل دولة في مجلس إدارة صندوق النقد مساوية لحصتها في رأسمال الصندوق، مما منح الدول الصناعية السيطرة الأكبر على قرارات هذه المؤسسة.
الانهيار الكبير
رأت الدول في نظام بريتون وودز الآلية الأمثل لتثبيت أسعار الصرف ومنع السياسات الانعزالية بين الدول، ودخل حيز التنفيذ مع انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبما أن أوروبا واليابان كانتا منصرفتين لإعادة بناء اقتصاداتهما، والطلب على السلع الأميركية والدولار كان كبيراً، والولايات المتحدة كانت تملك نحو ثلثي احتياطات العالم من الذهب، بدا هذا النظام آمناً وكفيلاً بتحقيق الاستقرار النقدي والنمو الاقتصادي. وبالفعل حقق نظام بريتون وودز في بداية الأمر نجاحاً ملاحظاً مع الحد في تقلبات أسعار الصرف، مما أسهم في تعزيز المبادلات التجارية الدولية وتحقيق النمو الاقتصادي، ونجاح آلية القروض المقدمة من البنك الدولي.
غير أن هذه الفترة لم تدم طويلاً في ضوء ازدياد الضغوط على الاقتصاد الأميركي في فترة الستينيات لأسباب عديدة، منها:
- تكاليف “خطة مارشال” الأميركية لتمويل إعادة الإعمار في 16 دولة أوروبية، التي بلغت أكثر من 13 مليار دولار.
الحرب الباردة وتكاليف المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، بما في ذلك المساعدات الخارجية و”خطة ترومان” لاحتواء الشيوعية في كل من اليونان وتركيا بكلفة وصلت إلى 400 مليون دولار.
التسهيلات الأميركية للتجارة مع الدول الأوروبية واليابان حتى استعادت هذه الاقتصادات عافيتها وأصبحت منتجاتها أكثر تنافسية مع الصادرات الأميركية، وأصبحت احتياطاتها من العملات والذهب موازية لاحتياطات أميركا بحلول 1959.
ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة والعجز في ميزان المدفوعات الأميركي على وقع الإنفاق العسكري الهائل الذي تطلبته حرب فيتنام، وكلفة برامج الرعاية الاجتماعية الداخلية التي كانت واشنطن تنفذها.
هذه العوامل وغيرها، دفعت الولايات المتحدة إلى طباعة مزيد من الدولارات لتمويل نفقاتها، فتضخم حجم الكتلة النقدية للدولار في مختلف أنحاء العالم، فيما لم تشهد احتياطات الذهب الأميركية ارتفاعاً موازياً. وبالتالي أصبح هناك دولارات بما يفوق حجم الذهب الموجود في عهدة واشنطن، إذ لا يمكن لأية دولة مهما بلغت قوتها أن تمول عجز الدول الأخرى من دون أن ينفد رصيدها.
إثر ذلك ومع انخفاض احتياط الذهب الأميركي في مقابل ارتفاع معروض الدولار في العالم، بدأت الدولار يفقد قيمته الحقيقية وبدأت الشكوك تثاور الدول والثقة في قدرة الحكومة الأميركية على الوفاء بالتزاماتها باستبدال الدولار بالذهب تترنح. وكنتيجة لذلك راحت الدول، لاسيما الأوروبية منها، تستبدل احتياطات الدولار التي تملكها بالذهب، مما أدى إلى انخفاض المخزون الأميركي من المعدن الأصفر. ومع استشعار الدول بارتفاع الأخطار، ازدادت مطالباتتها بالذهب، بما في ذلك من فرنسا، مما عرض الاقتصاد الأميركي لأزمة متفاقمة.
في ضوء الضغوط المتزايدة على الاقتصاد الأميركي، حاولت أميركا بالتعاون مع المصارف المركزية للدول الأخرى اتخاذ خطوات محلية ودولية لإنقاذ الدولار والنظام النقدي، شملت الاتفاق على تدخل المصارف المركزية في السوق عبر طرح الذهب للعرض لتخفيف الضغط عن الدولار، وصياغة آلية تمويلية جديدة في صندوق النقد الدولي لحفظ استقرار أسعار الصرف.
لكن على رغم المساعي الحثيثة المحلية والدولية للحفاظ على نظام بريتون وودز، وضبط ميزان المدفوعات الأميركي، وخفض التضخم في الولايات المتحدة، وصلت الجهود إلى طريق مسدودة. وفي نهاية المطاف وتفادياً لاستنزاف أكبر لمخزونات أميركا من الذهب، خرج الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في الـ15 من أغسطس (آب) 1971 ليعلن خطة بلاده للتصدي لكل من العجز في ميزان المدفوعات وارتفاع التضخم وارتفاع البطالة. وفي صميم هذه الخطة كان قرار الولايات المتحدة الصادم بوقف استبدال دولاراتها بالذهب، مما شكل الشرارة الأولى لإنهاء مفاعيل نظام بريتون وودز على الصعيد الدولي، وانهياره تماماً بحلول عام 1973.
مراحل طباعة الدولار
التصميم: يوضع بالتنسيق بين مجلس الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة وجهاز الخدمة السرية
وضع الطلب للطباعة: يصدر سنوياً عن مجلس الاحتياط الفيدرالي ويقدم لوزارة الخزانة
التصنيع: يتولى مكتب النقش والطباعة في وزارة الخزانة طباعة الدولار في منشآته في واشنطن العاصمة وفورت وورث بولاية تكساس
الإصدار: يدفع الاحتياط الفيدرالي كلفة طباعة ونقل الدولارات إلى منشآته ويجعلها مالاً شرعياً
التوزيع: يتولى الاحتياط الفيدرالي توزيع الدولارات عبر المؤسسات المالية
سياسة التعويم
مع قرار نيكسون، أصبح جلياً أن اتفاق بريتون وودز وصل إلى نهايته، فآلية ثبات سعر صرف العملات باتت ملغية بحكم الأمر الواقع، فيما لم يعد الدولار الأميركي مربوطاً بالذهب.
ومع انتهاء هذا النظام انتقل نظام النقد العالمي إلى مرحلة التعويم السارية حتى اليوم، التي يحدد فيها سعر صرف العملة في أية دولة بحرية، وفق آليات العرض والطلب في الأسواق.
وبات عدد من الدول تدير أسعار الصرف لديها إما بالسماح لها بالتقلب بحرية تامة أو ضمن نطاق معين، أو بربط قيمة عملتها بعملات أخرى كالدولار أو بسلة من العملات، فيما تخلت الغالبية العظمى من الدول عن الربط بالذهب.
وبعدما كان الدولار يستمد قوته من الذهب، لم يعد مدعوماً بأي شيء، وأصبح يستمد قوته من الثقة العامة بالاقتصاد الأميركي، وقدرته على توليد الإيرادات وهيمنة الدولار على الأسواق المالية.
وحتى اليوم، ما زالت الدول تعتمد بصورة كبيرة على الدولار، وما زالت أوراق الخزانة الأميركية تعتبر ملاذاً آمناً لتخزين واستثمار الأموال. والدليل على ذلك أنه حتى الربع الثاني من عام 2024، كان أكثر من نصف احتياطات المصارف المركزية في العالم محفوظاً بالدولار الأميركي.
رموز الدولار
الختم العظيم:
نسر يمسك غصن زيتون وسهام
يرمز النسر لقوة الولايات المتحدة والغصن للسلام والسهام للحرب
عين العناية الإلهية
هرم تحوم فوقه عين “بروفيدنس”
رمز غامض نسجت كثير من نظريات المؤامرة حوله
ويرمز لقيم التنوير التي جاء بها الآباء المؤسسون
الرقم 13
عدد النجوم في الدرع فوق رأس النسر
عدد الخطوط في العلم تحت قدمي النسر
عدد درجات الهرم
يرمز للولايات الـ13 الأصلية
عملات منافسة
تحتفظ الدول باحتياطات من العملات الأجنبية لأسباب عدة، منها مثلاً مواجهة الصدمات الاقتصادية في الداخل وتمويل شراء الواردات ودفع خدمة الديون وتعديل قيمة عملاتها، لذلك تحرص الدول على تخزين احتياطاتها بعملات ذات أسواق كبيرة ومفتوحة، للتأكد من أنها ستستطيع الوصول إليها بسرعة وسهولة في أي وقت تحتاج إليها.
وبما أن الدولار الأميركي لا يزال العملة الأكثر استخداماً في المبادلات التجارية الدولية، إذ تتم عبره عمليات بيع وشراء أهم السلع مثل النفط، وبما أن بعض أكبر الاقتصادات تربط عملاتها به مثل السعودية، نجد أن الدولار لا يزال حتى اليوم متربعاً على عرش عملات الاحتياط في العالم على رغم التحديات، كونه الأكثر شيوعاً.
فضلاً عن ذلك، تلجأ الدول أيضاً إلى استثمار احتياطاتها في سندات خزانة آمنة سهلة البيع والشراء والتسييل، تماماً كسندات الخزانة الأميركية.
هذا الانتشار للدولار وحجم وأهمية سوق سندات الخزانة الأميركية، يمنح الولايات المتحدة هامشاً من التفوق على الدول الأخرى ويكسبها قوة عالمية، وإن جادل بعض منهم بأن له سلبيات عدة أيضاً، فبفضلهما تستطيع واشنطن الاقتراض من الخارج بسهولة جداً وتستطيع فرض العقوبات المالية على خصومها.
لكن ماذا عن العملات الأخرى؟ ألا يوجد ما ينافس الدولار الأميركي أو ما يستطيع الحلول مكانه؟
بحسب خبراء الاقتصاد، توجد عوامل عدة أساسية لتحديد قابلية أية عملة محلية للتحول إلى عملية احتياط عالمية، ومنها:
- حجم الاقتصاد المحلي للدولة صاحبة العملة
أهمية اقتصاد الدولة في التجارة الدولية
حجم وعمق وانفتاح الأسواق المالية للدولة صاحبة العملة
قابلية العملة للتحويل
استخدام العملة كعملة ربط
السياسات الاقتصادية الكلية المحلية للدولة صاحبة العملة
بالنظر إلى هذه العوامل، يبرز اليورو الأوروبي مثلاً كعملة احتياط عالمية منافسة للدولار، فهو يحتل المرتبة الثانية في أكثر العملات الاحتياطية استخداماً مع نحو 20 في المئة من احتياطات النقد الأجنبي العالمية. كما أن حجم الاقتصاد الأوروبي الذي يستخدم عملة اليورو كبير، وصادراته تفوق الصادرات الأميركية، وتتمتع دول اليورو بمصارف مركزية وأسواق مالية قوية. لكن عقبة رئيسة تواجه هذه العملة، افتقارها إلى خزانة واحدة مشتركة وسوق سندات أوروبية موحدة، إذ لكل دولة في منطقة اليورو خزانتها وسوقها المالية، مما يحد من منافسة اليورو للدولار الأميركي كعملة احتياط عالمية.
اليوان الصيني أيضاً يبرز كعملة منافسة للدولار، لاسيما أن الاقتصاد الصيني هو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لكن جهود بكين لتدويل عملتها لم تبدأ سوى أخيراً، ولم يضف إلى سلة صندوق النقد الدولي من العملات حتى عام 2015، مما يجعل منافسته بالتالي للدولار في بدايتها.
ومن العملات الأخرى المنافسة، نجد الين الياباني الذي يحتل المرتبة الثالثة في سلم عملات الاحتياط العالمية والجنيه الاسترليني والفرنك السويسري والدولار الكندي والدولار الأسترالي، فضلاً عن “نظام حقوق السحب الخاصة” لصندوق النقد الدولي، وهو أصل احتياط دولي استحدثه الصندوق ليكون أصلاً احتياطاً للدول الأعضاء مع قيمة تستند إلى سلة من العملات.
الدولار باق في عرشه
النفوذ الذي يمنحه الدولار الأميركي للولايات المتحدة جعل بعض الدول تبحث عن بديل، وبالفعل على رغم حفاظه على الصدارة يشهد الدولار منافسة متزايدة من العملات الأخرى، إذ انخفضت حصته في الاحتياط العالمي من 71 في المئة عام 1999، إلى نحو 59 في المئة بداية 2024. في المقابل ارتفعت حصة عملات أخرى غير تقليدية، مثل الدولار الأسترالي والفرنك السويسري واليوان الصيني من اثنين في المئة عام 1999 إلى 11 في المئة بداية 2024، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي.
وتعود هذه المنافسة وتراجع الدولار لأسباب عدة، منها العقوبات الأميركية التي فرضتها واشنطن على عدد من الدول، مما دفع جهات كثيرة إلى السعي إلى تقليل اعتمادها على الدولار تفادياً لتبعات العقوبات، لاسيما الدول المستهدفة بما فيها روسيا والصين وفنزويلا وإيران التي شرعت في إيجاد سبل أخرى للتبادل التجاري خصوصاً في ما بينها. عامل آخر يهدد مكانة الدولار هو حجم الدين الأميركي وعدم الاستقرار المالي في الولايات المتحدة وسط مخاوف من ألا تتمكن واشنطن من سداد مستحقاتها مستقبلاً، في ظل وتيرة سريعة في الإنفاق من الحكومة الأميركية. ومن العوامل المؤثرة في جاذبية الدولار كذلك، بروز العملات الرقمية التي تصدرها البنوك المركزية التي تسهل التعامل وتبادل العملات بين الدول.
لهذه الأسباب وغيرها، يرى بعض منهم أن صدارة الدولار كعملة احتياط عالمية مهددة، لكن على رغم ذلك يتفق معظم خبراء الاقتصاد على أن العملة الخضراء ستحافظ على ريادتها، وإزاحتها عن عرش العملات لن تتم في أي وقت قريب، فيما يرجحون أن يتقاسم الدولار في المستقبل النفوذ مع العملات الأخرى تدريجاً وببطء.
اندبندنت عربية