الثانوية السودانية… كي يصبح التعليم خافضاً لصوت البنادق
يخضع مئات الآلاف من الطلاب السودانيين، بعد غد السبت، لامتحانات الشهادة الثانوية السودانية بعد تأجيل استمر لنحو عامين بسبب الحرب المتواصلة بين الجيش وقوات الدعم السريع. وكان مقرراً أن يجلس أكثر من 513 ألف طالب وطالبة للامتحان في مايو/أيار 2023، لكن الحرب التي اندلعت في 15 إبريل/نيسان من ذلك العام، تسببت في تأجيل الامتحانات، وتعطيل الدراسة بكل ولايات السودان.
وقالت وزارة التربية والتعليم السودانية في مؤتمر صحافي، السبت 21 ديسمبر، إن “الامتحانات سيجلس لها 343 ألفاً و644 طالباً وطالبة من جملة العدد الذي كان مسجلاً سلفاً، وبنسبة 67%، وستعقد الامتحانات في 12 ولاية، وفي 2300 مركز امتحان داخل السودان وخارجه، والطلاب الذين نزحوا الى ولايات أخرى سمح لهم بالجلوس في أقرب مركز لهم، كذلك يوجد مركزان احتياطيان بمدينتي عطبرة والدامر، يتاح للطالب التسجيل فيهما، ولو قبل يوم واحد من الامتحان”.
وأوضحت الوزارة أن “عدد الطلاب الذين سيمتحنون من خارج السودان يبلغ 49 ألفاً و553 طالبة وطالبة، أغلبهم في مصر التي تضم 27 ألف طالب وطالبة. تلك الأعداد تبين مدى رغبة الأسر السودانية في مواصلة تعليم أبنائها رغم الظروف الحالية”.
وأوضح وزير التربية والتعليم المكلف، أحمد خليفة، في المؤتمر الصحافي، أن “عقد الامتحانات هو وجه آخر للمعركة التي تخوضها الدولة السودانية، وسيعقد امتحان آخر للشهادة الثانوية في مارس/آذار المقبل، وهناك لجنة عليا من وزارتي الدفاع والداخلية وجهاز المخابرات وجهات أخرى لتأمين سير الامتحانات، ومن بعدها تصحيح الأوراق وإعلان النتائج”، مبيناً أن “منظمات دولية ستقدم الدعم للعملية، بما فيها منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، التي تبرعت بسلال غذائية لتوفير وجبات للممتحنين، كذلك أعلنت مفوضية شؤون اللاجئين استعدادها لنقل الطلاب إلى بعض المراكز الواقعة خارج السودان”.
على الرغم من إجراءات الوزارة، يبرز الغضب من غياب امتحانات الثانوية العامة عن عدة ولايات، منها ولايات إقليم دارفور وأجزاء من ولايات الجزيرة والخرطوم وكردفان، وعدم مساعدة طلاب تلك المناطق على الوصول إلى مراكز الامتحانات، وهناك مخاوف أمنية، أبرزها إمكانية استهداف مراكز الامتحانات، كذلك فإن بعض المراكز في تشاد واجهت مشاكل.
يقول حسين كبير، وهو معلم في المرحلة الثانوية بولاية غرب دارفور لـ”العربي الجديد”، إن “نحو 13 ألف طالب وطالبة توجهوا من ولاية غرب دارفور ومن ولايات أخرى للجلوس للامتحانات في تشاد، وبعضهم كانوا موجودين هناك سلفاً، هرباً من الحرب، لكن الطلاب تعرضوا لإحباط شديد بعد قرار تشاد برفض عقد الامتحانات بعد أن هيّأوا أنفسهم. يأمل الطلاب وأسرهم نجاح جهود مفوضية شؤون اللاجئين لإقناع حكومة تشاد بالتراجع عن قرارها، وجلوس كل الطلاب للامتحان، وأن يتزامن ذلك مع اتفاق بين طرفي الحرب لوقف إطلاق النار في أثناء أيام الامتحانات، عسى أن يكون مدخلاً لاتفاق نهائي لإنهاء الحرب وعودة الاستقرار”.
من ولاية الجزيرة (وسط)، يبدي الطالب عثمان إدريس، أسفه الشديد لعدم تمكنه من الجلوس للامتحان مع بقية زملائه، لأن المنطقة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع ليس فيها مركز امتحانات. ويوضح لـ”العربي الجديد” أنه كان يخطط للسفر إلى ولاية نهر النيل للجلوس للامتحان هناك، لكن التطورات العسكرية الأخيرة أغلقت الطرق، وجعلتها غير آمنة، ما يجعله لا يدري ماذا يمكنه أن يفعل، وكل ما يفكر فيه حالياً هو الجلوس للامتحان في العام المقبل إن تحسنت الظروف الأمنية.
بدوره، يقول وليّ أمر أحد الطلاب من محلية المناقل، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إن محليتي المناقل والقرشي بولاية الجزيرة هما الوحيدتان اللتان ستُجرى فيهما امتحانات الثانوية العامة، لكن هناك مشكلات عدة، أبرزها عدم تسلّم الطلاب أرقام الجلوس، وصعوبة الوصول إلى مراكز الامتحان، فضلاً عن عدم جهوزية تلك المراكز.
ويؤكد مدير مدرسة مدينة الكريمت الثانوية، سيد أحمد يوسف، لـ”العربي الجديد”، أن “السلطات التعليمية تعمل بجهد كبير لاستكمال الاستعدادات للامتحانات، وتوفير بيئة مناسبة للطلاب، خصوصاً أن المنطقة آمنة، ولم تمتد إليها الحرب. الطلاب الوافدون وجدوا فرصتهم للتسجيل، وإدارات المدارس حاولت خلال الفترة الماضية تجهيز الطلاب أكاديمياً ونفسياً للامتحان. لكن المشكلة التي تواجه بعض المناطق تتمثل بإيواء النازحين في المدارس، وحالياً يلزم إفراغها وتهيئتها لتكون مراكز امتحانات”.
من جهته، يؤكد الأمين العام لمؤتمر الجزيرة، المبر محمود، أن “الظروف الحالية قد تحرم أبناء الولاية حقهم الأصيل في التعليم، ويُعَدّ ذلك كارثة حقيقية، لكننا نؤمن بأنّ ما لا يدرك جله لا يترك كله، وبالتالي إذا استطاع أي عدد من أبناء الولاية الجلوس للامتحان، فهذا بلا شك يخدم مستقبلهم ومستقبل الولاية التي ستحتاج جهود أبنائها بعد توقف الحرب”.
يضيف محمود لـ”العربي الجديد”: “هناك تجارب عالمية سابقة، مثل ما حدث في البوسنة والهرسك، وفي لبنان، وأفغانستان، إذ لم تتوقف العملية التعليمية في أثناء الحروب في تلك البلدان، وعلى السلطات التعليمية عدم فرض أية رسوم دراسية على الطلاب، لأن غالبية الأسر فقدت مداخيلها وممتلكاتها”.
إلى ذلك، تقف لجنة المعلمين، واحدة من أبرز الجهات الرافضة لعقد امتحانات الثانوية العامة في أثناء الحرب، وحجتها في ذلك أن عقد الامتحانات في بعض المناطق وحرمان أخرى منها لن يراعي معايير الشمول والعدالة، وأن الآلاف من الطلاب لن يتمكنوا من الجلوس للامتحان، ما يعمق الانقسامات المجتمعية.
ومع إصرار الحكومة على موعد الامتحان، ورفضها فكرة التأجيل التي تعرضها لجنة المعلمين، انتقلت اللجنة إلى مواقف جديدة للتعامل مع الأمر، مطالبة بإقرار وقف إطلاق النار في أثناء فترة امتحانات الثانوية العامة، وفتح مسارات آمنة للطلاب والمعلمين للوصول إلى مراكز الامتحانات، على أن تُحدَّد نقاط وصول سهلة لكل الطلاب الموجودين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، أو في مناطق النزاع.
يقول الناطق باسم لجنة المعلمين السودانيين، سامي الباقر، لـ”العربي الجديد”: “من المهم إعلان أماكن مراكز الامتحانات، ومراكز تجميع الأوراق لتصحيحها، وأن تكون في مناطق آمنة. لا بأس من وجود جهة تتولى مسألة التنسيق بين الأطراف على الأرض. مخاوف لجنة المعلمين حول الامتحانات تتمثل بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع ملف التعليم، إذ جعلت منه إحدى أدوات الصراع، وهذا الأمر يجعل العملية برمتها هدفاً للطرف الآخر، وهذا ما نخشاه”.
يضيف الباقر: “إجراء الامتحان بهذا الشكل يحرم عدداً كبيراً من أبناء الشعب السوداني وبناته حقهم في التعليم، ويقسمهم بين دار حرب ودار سلام، وهذا ليس اختياراً للمواطنين، لكنه واقع فرض عليهم، فلا الموجود في مناطق الدعم السريع اختار هذا، ولا الموجود في مناطق النزاع كان هذا خياره. لجنة المعلمين ما زالت تضع مقترحها الذي يقوم على مبدأ الشمول والعدالة، وألا يصبح التعليم من أدوات الحرب، بل يجب أن يكون خافضاً لصوت البنادق، وجامعاً لأبناء الشعب”.
وردّت وزارة التربية والتعليم على لجنة المعلمين، متهمة إياها بـ”إدارة حملة لإعاقة الامتحانات، والتأثير في نفسية الطلاب”، واتهمت الوزارة في أحد بياناتها مليشيا الدعم السريع بمنع بعض الطلاب في دارفور من التوجه إلى مناطق واقعة تحت سيطرة الجيش للجلوس للامتحان.
في المقابل، يقول وزير التربية والتعليم المكلف، أحمد خليفة عمر، لـ”العربي الجديد”: “واثقون من قدرة الدولة على إنجاح الامتحانات، وهناك غرفة طوارئ مشكّلة من كل القوات النظامية والوزارات ذات الصلة لضمان تأمين سير الامتحانات، والحديث عن انقسام مجتمعي بسبب الامتحانات غريب، فما يحدث هو العكس تماماً، وإذا كان البعض يتحدث عن دارفور، فهناك الآلاف من طلابها سجلوا للامتحان في الولاية الشمالية وفي ولايات نهر النيل والقضارف وكسلا والبحر الأحمر. الانقسام الذي يتحدثون عنه لا يوجد إلا في وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك معالجات لأمور كل الغائبين من الطلاب، وسيسمح لهم بامتحان آخر في مارس المقبل”.
العربي الجديد