الخرطوم تخسر ورقة.. وجوبا تواجه ضغوطاً جديدة “مشار” في موطن “مانديلا”..
أخيراً، غادر الخرطوم زعيم المعارضة الجنوبية د. رياك مشار متوجهاً إلى “جنوب إفريقيا”، في خطوة اعتبرت محاولة جديدة للزعيم المعارض لحشد الدعم الإفريقي في مواجهة حكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، بينما عدّها محللون خسارة للخرطوم لجهة فقدان ورقة ضغط رابحة على حكومة جوبا لتنفيذ تعهدات سابقة بالتخلي عن الحركات المسلحة المعارضة للخرطوم، في حين رأى البعض أن تحرك “مشار” إلى الجنوب الإفريقي، يساعد في حلحلة الأزمة السياسية المعقدة في الدولة الوليدة، لما يمثله “موطن مانديلا” من وزن سياسي يحظى عادة بتأييد إفريقي ودولي كبيرين. وكانت الخرطوم قد استضافت الزعيم الجنوبي لأسباب إنسانية لا علاقة لها بالصراع السياسي في دولة الجنوب كما صرحت بذلك الحكومة السودانية، وأكد نائب الرئيس الجنوبي تعبان دينق في زيارته الأولى للخرطوم أن استضافة مشار جاءت بمباركة جوبا وعلمها في وقت أرجع فيه المحللون السياسون زيارة تعبان للخرطوم آنذاك إلى أنها خطوة قصد منها قطع الدعم عن مشار بعد أن حمل معه حزمة من الوعود أبرزها طرد الحركات المتمردة من جوبا في مدة أقصاها 21 يوماً.
ويبدو أن الخرطوم التي بدت على قناعة بأن جوبا لن تفي بوعودها، حرصت على استضافة الرجل حتى تماثله للشفاء ومن ثم الرحيل للجهة التي يحددها غير أن تصريحات أطلقها من الخرطوم القائد الجنوبي بشن الحرب على نظام “سلفاكير” أربكت حسابات الدولتين، ففي حين اضطر السودان للتعليق على تصريحات “مشار” والتأكيد على أن السودان لن يسمح بعمل عسكري من أراضيه ضد الجنوب، أظهرت جوبا تبرماً من تصريحات “مشار”، واشتكت السودان إلى المجتمع الدولى واتهمت الخرطوم بـ “الخداع” على حد قول سفيرها في السودان ميان دوت.
وفي خطوة بدت مفاجأة في توقيتها ومتوقعة من حيث وجهتها، يمم مشار وجهه صوب الجنوب الافريقى للتعافى قائلاً إن مقره سيكون الجنوب الجنوبى، من أجل إحلال السلام وطي صفحة الاحتراب وإسقاط النظام كما يصرح بذلك علناً مشار. ولتقصي أسباب رحيل “مشار” ومدلولاته وتأثيره على العلاقة بين الخرطوم – جوبا، تحدثت “الصيحة” إلى عدد من السياسيين لمعرفة ما إن كان وجود قائد المعارضة الجنوبية “مشار” في جنوب إفريقيا سيرفع الحرج عن الخرطوم؟ ودلالات التواجد في بلاد مانديلا.
دلالات مهمة:
وجود مشار في هذه الأيام على وجه الخصوص في جنوب إفريقيا له دلالات مهمة جداً، فيبدو أن زعيم المعارضة الجنوبية أراد إرسال رسائل ذات بعد سياسي إلى “جوبا” والمجتمع الدولي، ويقول الأمين السياسي لحركة “الإصلاح الآن” الدكتور أسامة توفيق إن مشار أراد أن يقول إن وجوده في الخرطوم الفترة الماضية لا يعني ميلاد علاقة حميمة بينه والخرطوم، وإنما الظروف الصحية وحدها كانت السبب، كذلك أراد أن يوصل رسالة مفادها أن علاقته بالخرطوم انتهت بخروجه من “رويال كير”.
ويشير توفيق” في حديثه لـ(الصيحة) إلى أن تواجد “مشار” في جنوب إفريقيا ليس فيه إزالة حرج أو لا عن الخرطوم، موضحاً أن المؤكد هو أن جوبا ظلت تحتضن حركات دارفور لذلك يجب أن لا تدخل الخرطوم في حرج إن سمعت تصريحات جوبا بإدانة الخرطوم، معتبراً أن من حق الخرطوم أن تدعم حركات جوبا المتمردة، وأضاف قائلاً: “كما تدين تُدان”. لافتاً إلى أن “مشار” يريد إيصال رسالة أخرى مهمة جداً إلى جوبا تتمثل في أن أقطار القارة الإفريقية مفتوحة الأبواب أمام زعيم المعارضة الجنوبية مما يثير الشكوك لدى جوبا بأن مشار مدعوم إفريقياً، ويضيف: “بالرغم من أن مشار غادر الخرطوم وكانت الدواعي المصرح بها هي استكمال رحلة العلاج التي بدت في الخرطوم لكنني لا استبعد خشية “مشار” من تحركات جوبا مع الحركة الشعبية وقطاع الشمال واحتمالات تعرض مشار لعملية اغتيال”.
ويعتقد توفيق أن مغادرة مشار إلى جنوب إفريقيا من شأنها أن تُفشل أي محاولات لاغتياله كان مخططاً لها بين جوبا و”خلايا” قطاع الشمال خاصة، معتبراً أن “قطاع الشمال” صار ذراع الحركة الشعبية في السودان، ويدلل على ذلك بالقول إن مشار كان يعتزم مغادرة “رويال كير” واستكمال العلاج بالأردن ولكنه قرر بصورة مفاجأة تحويل وجهته إلى جنوب إفريقيا.
إشارات حمراء:
الكل يعلم موقع دولة جنوب إفريقيا لدى المجتمع الدولي والإقليمي في إمكانيتها للقيام بدور كبير في حل مشكلة جنوب السودان المتفاقمة، ويقول في هذا الصدد العميد متقاعد، ساتي سوركتي، الأمين السياسي لـ”منبر السلام العادل”: إن وجود مشار في جنوب إفريقيا ليس لإرسال رسائل إلى جوبا أو المجتمع الدولي، وإنما لقناعته بأن جنوب إفريقيا يمكن أن تساهم في طي صفحة الصراع في جنوب السودان بكل الوسائل التي يمكن أن تسهم في إنهاء الصراع بين المكونات الإثنية المتناحرة هناك.
وأردف “ساتي” في حديثه لـ(الصيحة) بـ”أن وجود مشار بعيداً عن الخرطوم، وفي دولة بثقل جنوب إفريقيا، يؤشر لجوبا بإشارات حمراء بالحراك الذي يمكن أن يقوم به زعيم المعارضة الجنوبية مع زعماء القارة الإفريقية في مقر إقامته الجديد بجنوب إفريقيا”.
الصيحة