مغتربو السودان… مبادرات وتبرعات لمساعدة متضرري الحرب

يعمل السودانيون المقيمون خارج حدود البلاد، فرادى وجماعات، على جمع تبرعات عينية ومادية للمساهمة في سد النقص الحاصل في الغذاء، وتوفير مراكز إيواء آمنة للنازحين، وسد فجوات العلاج والدواء، كما يساهمون في توفير فرص عمل.

وتسببت الحرب في مقتل آلاف الأشخاص، وتشريد أكثر من 11 مليون نسمة، كما دمرت البنى التحتية والمؤسسات الخدمية، وأدت إلى انتشار الجوع والأمراض، لتصنف ضمن أكبر الكوارث الإنسانية العالمية في الوقت الراهن، في حين تشهد عمليات الإغاثة صعوبات جمة لأسباب من بينها ضعف التمويل، وصعوبة الوصول إلى المتأثرين، والتهديدات الأمنية، وغيرها.
تصنف الجالية السودانية في السعودية من أكبر الجاليات بالخارج، ويشهد تاريخها الطويل على دورها في دعم المشاريع المجتمعية وتوفير الخدمات الأساسية، وقد تضاعف دورها بعد اندلاع الحرب، إذ باتت تتكفل بدعم مئات الأسر التي فقدت مصادر دخلها، ودعم عمليات الإجلاء، وتجهيز مراكز إيواء النازحين، وصولاً إلى دعم أسر سودانية لجأت إلى بلدان أخرى.

ويؤكد المغترب السوداني حسين حسن حسين، وهو أحد قياديي الجالية في السعودية، لـ”العربي الجديد”، أن “التكافل الاجتماعي أحد أهم سمات المجتمع السوداني؛ سواء عبر الدعم المادي أو العيني أو المعنوي، والتكافل يزداد في أوقات الشدة، فالمغترب السوداني يكون الداعم الأول في الأزمات، وحدث هذا سابقاً خلال السيول والفيضانات وغيرها من الكوارث. تمثل هذه الحرب تجربة جديدة، إذ اشتعلت في العاصمة، وانتقلت منها إلى كل مكان، حتى كادت تغطي كل مناطق البلاد، وقد شردت الناس، وعرضت النساء والأطفال لانتهاكات صارخة، ودمرت البنية التحتية، وعطلت مظاهر الحياة الطبيعية، وبالتبعية ارتفعت معدلات البطالة، وتدهورت الأوضاع المعيشية مع ارتفاع الأسعار وشح السلع الأساسية”.

يضيف حسين: “شارك السودانيون في السعودية وغيرها، بتوفير وسائل تخفيف الأضرار، ومساعدة المتضررين، فكان للجمعيات المناطقية والمهنية ومؤسسات المجتمع المدني دور كبير في توفير المواد الغذائية والأدوية والملابس، ونوّعوا سبل جمع الدعم، سواء عبر توجيه النداءات الإنسانية، أو توظيف علاقاتهم في المهجر. تقاسمت كثير من الأسر السودانية في السعودية المأوى والمأكل والملبس والدخل الشهري مع من قدموا إليها من الوطن، كما منحوهم من وقتهم وجهدهم لإيجاد حلول لمشكلات التعليم، والعلاج، وتوسع دور الجمعيات المناطقية، وانخرط مغتربون في مؤسسات أوسع، كما تزايد دور الجمعيات المهنية، واجتهد الجميع في إيجاد الحلول، وتقديم الدعم بأشكاله المختلفة”.
وفي قطر، لعبت الجالية والروابط المهنية أدواراً عدة لتخفيف معاناة السودانيين خلال الحرب، وقامت رابطة الأطباء السودانيين في قطر، بتحديد ثمانية محاور للعمل، أبرزها الدعم المهني، ودعم المؤسسات الصحية، وتدريب الكوادر.
ويوضح رئيس رابطة الأطباء السودانيين في قطر، أسامة النور، لـ”العربي الجديد”، أن “الرابطة قدمت أكثر من 1200 استشارة طبية عن بعد، وتطوع 143 طبيباً للعمل في 36 تخصصاً، من بينها طب الأطفال، وأمراض الشيخوخة، والطب النفسي، والكلى، كما أصدرت الرابطة كتيباً خاصاً للعناية بصحة الأطفال أثناء الحروب، وشاركت في برنامج لتدريب الكوادر الصحية على رعاية الحالات الطارئة برعاية فريق الاستجابة الطبية المجتمعية”.

يضيف الطبيب النور: “وقعت الرابطة مذكرة تفاهم مع وزارة الصحة في ولاية جنوب دارفور لتحمل كلفة تشغيل مستشفى الكلى بعاصمة الولاية نيالا، كما وقعت مذكرة تفاهم مع مستشفى الجزيرة لأمراض وجراحة الكلى بمدينة ودمدني، لتغطية حاجة أكثر من 900 مريض بالفشل الكلوي كانوا قد نزحوا من العاصمة الخرطوم بسبب الحرب، ودعمت مبادرة (نحنا معاكم) التي أطلقها مركز الجزيرة للعلاج النفسي، والتي تستهدف الأطفال والعائلات التي تضررت نفسياً من الحرب من خلال تقديم كل أشكال الدعم النفسي والاجتماعي عبر عيادة تخصصية في اضطرابات النمو والتطور، إضافة إلى إقامة ورش تدريبية وندوات للتوعية النفسية في مراكز الإيواء”.
يتابع: “دعمت الرابطة مبادرة (سالمين) لتوفير الرعاية للأهل في المعابر، خاصة في معبر أرقين البري على الحدود مع مصر، وهي مبادرة شعبية خالصة، وبعد إنجاز المهمة انتقل فريق المبادرة إلى مدينة وادي حلفا للإسهام في دعم الوضع الصحي هناك. على صعيد الدواء، قامت الرابطة بمراجعة قوائم الأدوية والمستلزمات الطبية مع رابطتي الصيادلة وتقنيي المختبرات في قطر، والسلطات الصحية في السودان، ونقلها إلى الجهات الخيرية في قطر لتوفيرها، كما أرسلت كميات من أدوية الكلى إلى المركز القومي لجراحة وأمراض الكلى في السودان”.

بدورها، تقول المشرفة على مبادرة “سقيا وإطعام”، هالة الشفيع، لـ”العربي الجديد”: “بدأت المبادرة بتوزيع مياه الشرب بأم درمان في مايو/أيار 2023، ثم توسعت بفضل مساهمة أفراد الجاليات السودانية بمختلف دول العالم، خصوصاً في دول الخليج العربي والولايات المتحدة وبريطانيا، لتشمل عدداً من ولايات السودان، وهي تركز على توفير الطعام ومياه الشرب. 90% من تكاليف مشاريع المبادرة يتبرع بها مغتربون، وتلك التبرعات مكنتنا من توزيع نحو 28 ألف برميل مياه صالحة للشرب في مختلف الولايات، وحفر ثلاث آبار بولاية القضارف، وتأسيس 60 نقطة لتوزيع الطعام على السكان والنازحين، كما تكفل مغتربون بالتبرع بمواد أخرى مثل الأدوية والمشمعات والأغطية والأسرة والملابس والدفايات، ونظمت المبادرة بدعم من مغتربين أسواقاً للخضروات المجانية”.
تضيف الشفيع: “الدعم الذي وجده متضررو الحرب من المغتربين عبر المبادرات المجتمعية أكبر من الدعم الحكومي، ومن دعم المنظمات الدولية، ولولا دعم المغتربين لكانت الكارثة أكبر. لكن المبادرات المجتمعية تحتاج إلى المزيد من الدعم، لأن أعداد المتضررين في تزايد، خصوصاً مع موجات النزوح المستمرة، وآخرها من منطقة شرق الجزيرة، وكذلك غلاء أسعار المواد الغذائية”.

وتظل المطابخ الخيرية التي تأسست بعد الحرب من بين أبرز المستفيدين من تبرعات المغتربين السودانيين، وقد تجاوز عددها 200 مطبخ في ولاية الخرطوم وحدها، واعتمدت كلياً على التبرعات لتقديم وجبات جاهزة للأسر المتضررة والنازحين. يقول كمال مبارك، وهو مشرف على واحد من تلك المطابخ بمنطقة الحتانة، شمال أم درمان، إنه يستلم دعماً شهرياً من أفراد من الجالية السودانية في الولايات المتحدة، ومن مغتربين في سلطنة عمان والسعودية، وجميعهم من معارفه، للمساهمة في إعداد وجبات يومية لنحو 450 أسرة في الحتانة، مؤكداً لـ”العربي الجديد”، أن “الأموال التي يرسلها المغتربون تكفي لمدة عشرين يوماً تقريباً، وأقوم بجمع تبرعات من الداخل لاستكمال وجبات الشهر. دعم المنظمات الدولية شحيح، وأعتقد أن المغتربين قاموا بسد هذه الفجوة، لكننا ننتظر المزيد من الدعم لتوفير نفقات العلاج والدواء”.
وتتواصل الاشتباكات في مدينة الفاشر (غرب)، منذ مايو/أيار الماضي، مع حصار مطبق تفرضه قوات الدعم السريع على المدينة، ما فرض أوضاعاً إنسانية صعبة على السكان، تشمل نقص الغذاء والمياه والأدوية، لكن أبناء المدينة المغتربين تبنوا جملة من المبادرات لتخفيف الضغوط عن أسرهم، شملت إقامة مطابخ خيرية، وتوزيع مياه الشرب.
ويؤكد معمر إبراهيم، وهو صحافي مستقل من الفاشر، أن معظم الأعمال الخيرية لإطعام وإيواء المتأثرين من القتال تجد دعماً من المغتربين، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أن “الفاشر استقبلت قبل الحصار آلاف النازحين من مناطق مختلفة، مثل نيالا وزالنجي. دعم المغتربين يساهم في توفير آلاف الوجبات اليومية منذ مغادرة المنظمات الدولية عقب الحصار الذي منع وصول المساعدات الإنسانية، وكان له تأثير واضح في إنقاذ الأرواح، لكن لا يزال أهالي المدينة المحاصرة بحاجة إلى المزيد، خصوصاً الأدوية، وتحسن الوضع الأمني ربما يساهم في زيادة الاستفادة من تبرعات المغتربين”.

بدوره، يقول الناشط إسماعيل نابري، لـ”العربي الجديد”، إن “جهود السودانيين في الخارج لم تقتصر على تقديم المساعدات الإنسانية، بل تعدت ذلك إلى بناء مؤسسات مجتمعية قادرة على الاستجابة للاحتياجات الطارئة، فقد قامت الجاليات في أوروبا بإنشاء صناديق لدعم التعليم والصحة، وتأسيس مراكز لتأهيل الكوادر، وتنظيم حملات التوعية الصحية والاجتماعية، كما عملت على بناء شبكة علاقات مع منظمات دولية ومحلية، ما ساهم في زيادة تأثيرها وفاعليتها. لكن الأزمة السودانية تتطلب حلولاً شاملة، وتعاوناً دولياً واسعاً. المغتربون السودانيون يمثلون قوة دافعة نحو التغيير، ونأمل أن تسهم جهودهم في حلول سياسية، وتحقيق السلم والاستقرار”.

العربي الجديد


إنضم للواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.