“القطينة” وسط السودان.. مدينة بلا حياة تحولت سجناً مفتوحا

في قلب السودان، وتحديدًا على بُعد 100 كلم جنوب العاصمة، كانت مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض تُعرف بسوقها المزدهرة وحركة التجارة النشطة.
لكنها تحوّلت اليوم إلى سجن مفتوح، حيث تفرض قوات الدعم السريع قبضتها على كل تفاصيل الحياة هناك.
فلا كهرباء، ولا مياه ولا اتصالات، فيما تحولت المستشفيات إلى هياكل مهجورة.
بينما يكافح السكان بين جدران هذه المدينة المنسية، يومياً من أجل البقاء على قيد الحياة.
مدينة بلا حياة
وفي التفاصيل، أكدت مصادر متطابقة لـ”العربية.نت أن الميدنة دخلت في ما يشبه العزلة التامة منذ ديسمبر 2023، مضيفة أن الشبكات الهاتفية خرجت عن الخدمة، وانقطعت الكهرباء تماماً، أما المياه فقد باتت سلعة نادرة.
لكن المأساة لا تقف عند هذا الحَد. فمع انهيار البنية التحتية، تحوّلت المستشفيات إلى مبانٍ خاويةٍ على عروشها، تاركةً المرضى يُواجهون موتاً بطيئاً من دون أيِّ أمل في العلاج.
موت بطيء
فقد تعرض مستشفى القطينة التعليمي، الذي كان يوماً الملاذ الأخير للمرضى والمصابين، للنهب والتخريب، وتحوّل إلى أطلال صامتة تروي قصة انهيار منظومة الصحة في المدينة المنكوبة.
ومع تزايد أعداد المرضى، تعجز الأسر عن تقديم المساعدة. وبات مرضى السكري والضغط في مواجهة قاتلة مع نقص الأدوية.
فيما أصبح الوصول إلى أقرب مستشفى في الدويم مغامرة محفوفة بالموت، حيث يعبر المرضى النيل في مراكب متهالكة، معرضين حياتهم للخطر وسط تهديدات المسلحين.
انفلاتٌ أمني
لكن المصائب لا تأتي فرادى، فإلى جانب الانهيار الصحي، تعيش القطينة تحت وطأة انفلات أمني غير مسبوق. فالشوارع التي كانت يوماً تعج بالحياة، تحوّلت إلى مناطق أشباح لا تجوبها سوى عصابات النهب المسلح.
وكشفت المصادر لـ”العربية.نت” أن عمليات السطو أصبحت روتيناً يومياً، حيث تُقتحم المنازل والمتاجر من دون أي رادع.
فيما أضحى الخوف من الاختطاف يطارد النساء والفتيات، ما أجبر الكثيرات على الاختباء داخل المنازل مع حلول المساء.
ليس هذا فحسب، ففي ظل هذا الواقع المرير، تفاقمت الأزمة الاقتصادية، حيث باتت المجاعة تطرق أبواب الجميع.
المجاعة تلوح في الأفق
إذ تحول الجوع إلى كابوس يومي يهدد حياة الجميع.
في حين باتت السوق الرئيسية، التي كانت تعج بالباعة والمُشترين، تفتح أبوابها لساعات محدودة فقط، قبل أن يغلقها الخوف والرعب.
لكن حتى لمن يستطيعون شراء الطعام، فإنّ الأسعار أصبحت خيالية. فيما لجأ بعض الأسر للبحث عن بقايا الطعام بأسعار تفوق قدرتها.
كما لجأ البعض الآخر لطحن الذرة المجففة لصنع خبز يسد رمقهم.
الهروب المستحيل
بالتزامن لم يعد الهروب خيارا، بل حلما بعيد المنال. إذ كل الطرق المؤدية إلى خارج المدينة محاصرة بالحواجز المسلحة.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، فهناك رسوم للخروج يفرضها المسلحون تبدأ من 5,000 جنيه سوداني، لمن يستطيع الدفع.
أما عبور النيل عبر المراكب فيتطلب 10,000 جنيه، لكنه بالطبع لا يضمن النجاة
في حين بلغت تكلفة الوصول إلى الدويم عبر الطرق غير الرسمية 120,000 جنيه سوداني أي ما يعادل 60 دولارا أميركيا تقريبًا، وهو مبلغ يعجز عنه معظم المواطنين المغلوبين على أمرهم.
يُشار إلى أن قوات الدعم السريع اجتاحت القطينة من دون أن تواجه مقاومة تُذكر، في توسع عسكري تزامن مع سقوط ولاية الجزيرة في قبضتها العام قبل الماضي.
ومنذ ذلك الوقت تبدل حال المدينة، ما دفع عشرات الآلاف من سكانها إلى الفرار عبر الطريق المسفلت الذي يربطها بالعاصمة.
بينما غصّت ضفاف النيل الأبيض بموجات النزوح الجماعي.
وعلى مدار الساعات الماضية، عجّت مواقع التواصل الاجتماعي بمشاهد مُفزعة لأُسرٍ مذعورة تغادر منازلها على عجل، حاملة معها ما تيسّر من متاع، في محاولة يائسة للنجاة من بطش الميليشيا والانتهاكات المُروِّعة التي طالت النساء والفتيات.
كما غرقت المدينة، التي كانت مركزًا حيوياً للتجارة والزراعة، في الفوضى بين ليلة وضحاها، لتتحوّل إلى رمز جديد للمأساة التي تعصف بالسودان.
العربية نت