ذريعة السلاح الكيميائي .. ماذا تريد واشنطون من السودان

قرار العقوبات الأمريكية على الجيش السوداني – مايو 2025 في ظاهرها، جاءت العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد الجيش السوداني بذريعة استخدام أسلحة كيميائية، وهي تهمة لم تثبتها أي جهة دولية محايدة ولم يُقدَّم عليها دليل قاطع. ولكن ما بين سطور القرار تقبع حقيقة أكثر تعقيداً: رغبة واشنطن في كبح جماح الجيش السوداني ومنعه من الحسم الميداني الذي بات قاب قوسين أو أدنى.

الجيش السوداني وتغيّر موازين القوى

خلال الأشهر الأخيرة، تمكن الجيش السوداني من استعادة مساحات واسعة من الأراضي التي احتلتها مليشيا الدعم السريع، مما قلب موازين المعركة وأعاد فرض سيطرة الدولة ومؤسساتها. هذا التقدُّم العسكري، كان ضرورياً في سياق الحفاظ على سيادة الدولة ووحدتها، وضمن الواجبات الدستورية التي يضطلع عليها الجيش السوداني إلا أن ذلك أقلق دوائر صنع القرار في واشنطن، التي باتت تنظر إلى المليشيا كفاعل ضروري في ترتيبات ما بعد الحرب نسبة للهث قياداتها خلف السلطة والمال وسهولة اخضاعها وعمالتها.

الولايات المتحدة و”إعادة تشكيل” المشهد السوداني

السياسة الأمريكية في الإقليم لا تنفصل عن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي تسعى عبره إلى إعادة رسم خريطة النفوذ بما يضمن مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، خاصة في البحر الأحمر ومنطقة القرن الإفريقي. وفي هذا السياق، لا ترى واشنطن في الجيش السوداني – كمؤسسة وطنية خالصة ذات قرار سيادي – شريكاً سهلاً يمكن توجيهه أو إخضاعه لمعادلات النفوذ الإقليمي والدولي، خاصة في ظل انفتاحه على قوى دولية منافسة مثل روسيا والصين وتركيا وقطر وربما ايران.
أما المليشيا، فقد بدت – رغم ما ارتكبه من فظائع – أكثر قابلية للتطويع ضمن معادلة النفوذ الخارجي، ولذلك فإن إضعاف الجيش هو خطوة تمهيدية تسعى الولايات المتحدة لفرضها لضمان بقاء مليشيا الدعم السريع كجزء من أي ترتيبات سياسية مستقبلية.

ذريعة السلاح الكيميائي: أداة ضغط وليست إدانة حقيقية

استخدام السلاح الكيميائي تهمة بالغة الخطورة، لكنها هنا جاءت دون تحقيق دولي مستقل، مما يوحي بأنها ليست إلا أداة ضغط سياسية لتقويض زخم الجيش. بل يمكن اعتبارها امتداداً لسياسة العقوبات الانتقائية التي كثيراً ما استخدمتها واشنطن لخدمة مصالحها لا لحماية حقوق الإنسان كما تزعم.

ماذا تريد واشنطن؟

الرسالة واضحة: لا حسم عسكري، ولا انتصار كامل للجيش، بل تسوية تُبقي على “التوازن القلق” بين القوات المسلحة والمليشيا، مهما كانت الكلفة الإنسانية. تسوية تحفظ لأمريكا موطئ قدم في الخرطوم، وتُمكنها من التحكم في معادلات الاستقرار والسيادة ومنافذ البحر الأحمر وتعيد تسويق وكلائها و عملائها للمشهد مجددا .

خاتمة

إن العقوبات الأمريكية الأخيرة ليست سوى محاولة مكشوفة لإعادة تشكيل مخرجات الحرب بما يتوافق مع هندسة أمريكية جديدة للمنطقة. لكنها تصطدم بإرادة وطنية واضحة للجيش السوداني في استعادة وحدة التراب السوداني دون إملاءات، وهو ما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في اختبار قدرة السودان على حماية قراره السيادي وسط أمواج التدخلات الدولية



مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.