بعد سنوات من المعاناة وفتح تحقيقات فساد: دعوات متصاعدة لحل هيئة الحج والعمرة السودانية ومحاسبة المتورطين

في ظل استمرار الشكاوى المتكررة من سوء الخدمات المقدمة لحجاج السودان وارتفاع التكلفة بشكل غير مبرر، تجد هيئة الحج والعمرة نفسها اليوم في مرمى الاتهامات والمساءلة القانونية، بعد أن شرعت نيابة جرائم المال العام ومكافحة الفساد في تحريك بلاغ رسمي يحمل الرقم (54/2025)، يتعلق بشبهات فساد إداري ومالي في ملف النقل البحري للحجاج لموسم 1446هـ.
نيابة المال العام تحرك بلاغاً ضد هيئة الحج والعمرة
التحقيقات التي بدأت فعليًا، تتركز حول مراجعة العقود والمناقصات والاتفاقيات المبرمة مع الشركات الناقلة، وسط معلومات عن تلاعب واضح ومحاباة لشركات بعينها، ما يشير إلى وجود تضارب مصالح وسوء استخدام للمال العام، في وقت بلغت فيه تكلفة الحج للحاج السوداني هذا العام قرابة 20 ألف ريال سعودي، دون أن يقابلها أدنى مستويات الخدمة أو الكرامة.
والي البحر الأحمر يهدد بإجراءات صارمة وقاسية تجاة هيئة الحج والعمرة
المعاناة لم تقتصر على جوانب النقل فحسب، بل امتدت لتشمل الإيواء، والطعام، والرعاية، إذ اشتكى حجاج هذا الموسم من نومهم على الأرض في منى، في خيام مزدحمة تختنق بالحرارة بسبب المكيفات المعطلة، وحمامات تفتقر للنظافة، وأطعمة رديئة لا تليق حتى بمستوى الحد الأدنى من المعاملة الآدمية. أما الفنادق فحدث ولا حرج، أقرب لبيوت مهجورة من أن تُسمى سكناً مؤقتاً.
رغم التكلفة الفادحة التي يتحملها الحاج السوداني، تُقابل الوفود بتجاهل صارخ من الجهات المشرفة على الترتيبات، والتي بات يُنظر إليها كمجموعة من المستفيدين تُدير ملف الحج كأنه “مشروع استثماري” خاص، بعيدًا عن الروح الدينية والواجب الوطني. ويؤكد كثير من الحجاج أن عدد “الأمراء” السودانيين المصاحبين للبعثة يفوق عدد الحجاج أنفسهم، دون أن تكون لهم أدوار واضحة أو خدمات تذكر.
في هذا السياق، وجه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بتشكيل لجنة تحقيق محايدة للنظر في التجاوزات المنسوبة للمجلس الأعلى للحج والعمرة، خاصة ما يتعلق بعطاء النقل البحري، على أن تُرفع نتائج التحقيق في أسرع وقت ممكن لضمان المحاسبة وعدم إفلات المتورطين من العقاب.
المجلس الأعلى للحج والعمرة ينعي أحد الحجاج السودانيين بمكة المكرمة
لكن الشارع السوداني، والحجاج على وجه الخصوص، لا يثقون كثيرًا في اللجان المؤقتة، ويطالبون هذه المرة بإجراءات جذرية تبدأ بـحل هيئة الحج والعمرة نهائيًا، وتسريح جيش الموظفين والعطالى الذين يعتاشون من معاناة الحجاج والمعتمرين، وتكوين مؤسسة جديدة رشيقة ونزيهة، تضم كوادر مهنية ذات ضمير وكفاءة، تشرف على تنسيق الخدمات ومراقبة الوكالات الخاصة دون تدخل أو مصالح.
وزير العدل يمنح البرلمان الإذن لمقاضاة مدير هيئة الحج والعمرة لإتهامه نواب البرلمان بالفساد
الحج ليس موسماً للامتيازات السياسية ولا مرتعًا للنهب الإداري، بل شعيرة دينية مقدسة يجب أن تُصان من عبث الطامعين وفساد الطُغاة. والواجب الأخلاقي والوطني يفرض على الدولة التحرك العاجل لاجتثاث هذه المنظومة المترهلة، قبل أن تتحول إلى رمز جديد من رموز انهيار مؤسسات الدولة السودانية.