لماذا لا يمكن فتح المجال الجوي السوداني قريباً؟ 6 عوائق قاتلة

سودافاكس – في خضم التحولات الإقليمية المتسارعة عقب التصعيد الإسرائيلي-الإيراني، تطفو مجدداً على السطح دعوات لاستغلال الموقع الاستراتيجي للسودان عبر إعادة فتح مجاله الجوي المغلق منذ أبريل 2023، وتحويله لممر بديل للطيران المدني الدولي.
ورغم نبل هذه الطروحات، كتلك التي قدمها الأستاذ سامي الأمين، والتي تعكس رغبة صادقة في استعادة السيادة والمكانة المؤسسية، إلا أن الفجوة بين الطموح النظري والواقع العملي تبدو هائلة، تجعل التنفيذ الفعلي مستحيلاً في المدى المنظور للأسباب التالية:
1.كارثة البنية التحتية:
أكثر من عام من الإغلاق والحرب أفقدا القطاع أساسيات عمله. مطار الخرطوم الدولي خارج الخدمة تماماً، والبدائل مثل بورتسودان تفتقر للمقومات الفنية والتقنية اللازمة لإدارة حركة جوية دولية آمنة. أنظمة الاتصالات والمراقبة منهارة، والكوادر المؤهلة مشتتة أو تعمل في ظروف لا تُطاق. إعادة الفتح تتطلب إعماراً شاملاً، وليس قراراً إدارياً فقط.
2.التهديد الأمني المتفاقم:
سلامة الطيران المدني تقوم على سيطرة الدولة الكاملة على الأجواء والمرافق. واقع السودان الحالي هو العكس تماماً، حيث مساحات شاسعة خارج سيطرة الدولة وتشهد اشتباكات مستمرة. ضمان أمن الطيران فوق هذه المناطق مستحيل، مما يدفع شركات الطيران العالمية لتجنبها بناءً على تقييمات صارمة من منظمات مثل الإيكاو (ICAO) والاياتا (IATA).
3.الفائدة الجغرافية المحدودة:
رغم الموقع المركزي، فإن معظم خطوط الملاحة الجوية العابرة في المنطقة (من الخليج إلى أوروبا أو من آسيا إلى غرب أفريقيا) لا تعتمد بشكل جوهري على الأجواء السودانية. البدائل الآمنة والمباشرة متوفرة، مما يقلل من الأثر الاقتصادي المحتمل لفتحها حالياً.
4.مقارنة غير دقيقة مع أوكرانيا:
مقارنة الوضع بأوكرانيا – التي تحافظ على إدارة مجالها الجوي رغم الحرب بتقنيات متطورة وتعاون دولي وتحديث مستمر لمخاطر الملاحة – هي مقارنة مضللة. السودان يفتقر لأدنى مقومات التشغيل الآمن: لا رادارات فعالة، ولا تحديثات آنية، ولا خطط طوارئ مستوفية.
5. غياب الإطار المؤسسي: إعادة الفتح عملية معقدة تتطلب جاهزية قانونية وفنية وتشغيلية متكاملة. لا يوجد حالياً مركز تحكم بديل موثوق، ولا نظام فعال لإصدار نشرات التنبيه الجوية (NOTAMs)، ولا تنسيق كافٍ مع دول الجوار لضمان سلاسة وسلامة الحركة العابرة. سلطة الطيران المدني لم تطرح بعد خطة شاملة للإصلاح.
6. المخاطر تفوق العوائد:
رغم الأهمية الاقتصادية المحتملة للمجال الجوي، إلا أن المخاطرة بفتحه دون استيفاء شروط السلامة الأساسية تعني تهديداً لسمعة السودان ومصداقيته دولياً، وتعريضه لعقوبات أو حظر فني، وهو ثمن باهظ لا تُبرره العوائد المالية المحدودة والمحفوفة بالمخاطر في الظرف الراهن.
الخاتمة: الطريق إلى إعادة الفتح يبدأ بالأساسيات
الرؤية الطموحة لاستعادة دور السودان في خريطة الملاحة الجوية تستحق الإشادة، لكن تحقيقها يتطلب اعترافاً صريحاً بعمق التحديات. الكوادر السودانية المؤهلة والمجربة قادرة على إدارة المجال الجوي بكفاءة، لكنها بحاجة ماسة أولاً إلى بيئة آمنة، وإرادة سياسية ومؤسسية جادة، وخطة وطنية شاملة لإعادة البناء والتأهيل. الهدف الأسمى يجب أن يكون إعادة الفتح بأمان، لضمان سلامة الأجواء واستدامة التشغيل، وليس فتحاً رمزياً يعرض الأرواح وسمعة البلاد للخطر. المستقبل يبدأ اليوم بوضع اللبنات الصحيحة لإقلاع آمن.
سودافاكس



