السودانيون بين مطرقة الحرب وسندان الجوع: 71% تحت خط الفقر والجنيه السوداني يواصل الإنهيار

سودافاكس – في بلد يمتلك مساحات زراعية خصبة وثروة حيوانية ضخمة، يعيش ملايين السودانيين مأساة يومية للحصول على وجبة تسد رمقهم، وسط حرب مدمرة وانهيار اقتصادي غير مسبوق. الأسواق شبه مشلولة، وقيمة الجنيه السوداني تواصل الانهيار بلا هوادة، بينما تغيب الحلول السياسية والاقتصادية عن الأفق القريب.

وكشف أحدث تقرير للبنك الدولي عن انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 13.5% خلال عام 2024، بعد أن فقد نحو ثلث حجمه في 2023. ووفقًا للتقرير ذاته، يعيش نحو 71% من السكان في فقر مدقع بسبب استمرار النزاع المسلح وانعدام دور الدولة.

إقبال محمد، فنية مختبر من شندي شمال الخرطوم، تلخص الواقع بمرارة: “أعمل 12 ساعة يوميًا لأوفر بالكاد وجبتين لأطفالي الستة. الأسعار ارتفعت بأكثر من 1000%، ولم نعد نلحق بمتطلبات الحياة اليومية”. هذه المعاناة اليومية تتكرر في آلاف البيوت السودانية، حيث باتت السلع الأساسية مثل الزيت والسكر والعدس ترفًا بعيد المنال.

تراجع الإنتاج الزراعي وتفاقم الركود التجاري

الأسواق السودانية تعيش حالة من الجمود التام، مع عزوف المواطنين عن الشراء. ويعزو بائع الخضروات بدر الدين أحمد هذا الركود إلى تقلص الرقعة الزراعية، خاصة في ولاية الجزيرة التي كانت تُعتبر “سلة غذاء السودان”. وتشير بيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) إلى تراجع الإنتاج الزراعي بنسبة تفوق 40%، مما أدى إلى انكماش قطاع يشكل نحو 35% من الناتج المحلي ويوظف أكثر من 40% من القوى العاملة.

محمد عبد الحميد، تاجر مواد غذائية، يشير إلى تغير نمط الاستهلاك: “توقفت عن بيع المعلبات والمشروبات المستوردة لأن الناس لم تعد تشتريها. اليوم الطلب يقتصر على السلع الأساسية فقط”. الجميع خاسر في هذه المعادلة القاسية.

الجنيه السوداني يواصل الانهيار والرواتب تفقد قيمتها

منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، فقد الجنيه السوداني أكثر من ثلاثة أرباع قيمته، متراجعًا من 600 إلى نحو 2679 جنيهًا مقابل الدولار في السوق الموازية بحلول منتصف 2025. ويعاني الموظفون من تآكل مداخيلهم، حيث لا تغطي الرواتب سوى 8% من تكلفة المعيشة الشهرية، وفقًا لدراسة حديثة للجنة المعلمين السودانيين.

سمية عبد الرحمن، ممرضة وأم لأربعة أبناء، تصف الواقع قائلة: “رغم عملي في وظيفتين، لا أغطي سوى ثلث احتياجات أسرتي. أضطر إلى الاستدانة شهريًا لتغطية نفقات التعليم والطعام”.

ويقدر البنك الدولي أن البطالة ارتفعت إلى 47% في 2024، بفعل الإغلاقات الواسعة للشركات وانهيار سوق العمل.

خبراء: الزراعة حل سريع.. لكن الحرب والفساد يعرقلان التعافي

الخبير الاقتصادي د. حسين القوني يعزو تدهور الاقتصاد إلى تراجع الإنتاج وغياب الصادرات والطلب المتزايد على الدولار. ويؤكد أن غياب حكومة فعالة زاد من تعقيد الأزمة ومنع التدخلات الخارجية الداعمة.

أما البروفيسور كمال أحمد يوسف، عميد كلية الدراسات العليا بجامعة النيلين، فيرى أن الزراعة قد تمثل مخرجًا سريعًا للأزمة، لكنها بحاجة إلى كهرباء، وطاقة شمسية، وأراضٍ آمنة. كما يدعو إلى إعادة إعمار البنية التحتية، وتسهيل التبادل التجاري مع دول الجوار، وخفض الدولار الجمركي لتحفيز الاستيراد.

وحذر يوسف من استمرار استخدام العملة القديمة في بعض الولايات، مما يفتح الباب أمام الفساد ويزيد من حدة الأزمة النقدية.

أمل هش في موسم زراعي وتوافق سياسي

وسط هذا الواقع القاتم، يترقب السودانيون موسماً زراعياً جيداً، وتوافقاً سياسياً قد يعيد للدولة بعضاً من فعاليتها. فإما أن يتحقق هذا الأمل، أو يستمر الاقتصاد في الانهيار ليصبح الجوع القاعدة لا الاستثناء.

سودافاكس




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.