لماذا يعتبر تجويع المدنيين في أوقات النزاعات جريمة حرب؟

في عدة نزاعات مسلحة حول العالم جنحت بعض أطراف الصراع إلى اعتماد التجويع الممنهج كسياسة متعمدة لإخضاع الطرف الآخر والسكان المدنيين الذين يقيمون تحت سيطرته، والضغط عليه بُغية دفعه للاستسلام أو وضعه في مواجهة كارثة إنسانية تفكك ولاء وصبر المدنيين ضحايا الجوع.

فأي نزاع مسلح دوليا كان أو غير دولي يجري على ظهر هذه البسيطة هو محكوم بقواعد القانون الدولي الإنساني التي تنص صراحة على حماية الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون في القتال، والأعيان المدنية، وتحظر وتقيد أساليب ووسائل القتال التي يقصد بها إلحاق أضرار بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد بالبيئة الطبيعية.

هذه القواعد يجب مراعاتها في كل الأوقات، لأن في تحقيقها احترام هذا القانون والغاية منه -أنسنة الحرب- أو تقنينها وجعلها رحيمة.

إذن حاكمية هذا القانون مستمدة من التزام الدول الأطراف بمحض إرادتها على المصادقة والانضمام لمعاهدات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها، واتفاقيات لاهاي، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية -نظام روما-، إلى جانب التدابير التشريعية التي اتخذتها بعض الدول عبر سن قوانين وطنية تجرم حصار وتجويع الأشخاص المدنيين الذين لا يشاركون في القتال وامتهان الكرامة الإنسانية، حيث لا يجوز فرض حصار إلا إذا كان يستهدف حصرا القوات المقاتلة فقط.

البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية والمعتمد في 1977، ينص في المادة (54) الفقرة (1) منه، على: “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”

تجريم استخدام التجويع كسلاح
يعتبر كل من القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الإنساني العرفي تعمد استخدام تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب فعلا غير مشروع، بل يلزم كل من القانونين الطرف الذي يفرض الحصار بالسماح بوصول الإغاثة الإنسانية وجميع المواد الأساسية التي تقي السكان من الجوع، والعطش، والمرض، والهزال.

بل لا يدع القانون الدولي الإنساني للطرف المحاصر أن يتحجج بالمصادقة على معاهدات جنيف من عدمها.

القانون الدولي الإنساني
البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية والمعتمد في 1977، ينص في المادة (54) الفقرة (1) منه، على: “يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”

وفي الفقرة الثانية أيضا يشير إلى حظر استهداف المواد الغذائية والزراعية:

“يحظر مهاجمة، أو تدمير، أو نقل، أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري. إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر”.

المادة (23) من اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، كذلك تنص على: “على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصرا إلى سكان طرف متعاقد آخر: المدنيين، حتى لو كان خصما. وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل والنِفاس”.

وكذلك المادة (38) من نفس الاتفاقية تنص على: “لهم أن يتلقوا إمدادات الإغاثة الفردية أو الجماعية التي ترسل إليهم”.

القانون الدولي يحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، بل ويضعه ضمن الأفعال التي تشكل جريمة حرب

القانون الدولي الإنساني العرفي
تم ترسيخ هذا الحظر الصريح لاستخدام التجويع كسلاح في الحروب ضمن قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي الملزمة لكافة أطراف الصراع بغض النظر عن مصادقتها أو انضمامها لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها.

القاعدة (54) من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي جاء نصها على النحو التالي:

“يُحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب”.
أما القاعدة (55) فقد تناولت مسألة وصول الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها، وجاء نصها على النحو التالي:
“يسمح أطراف النزاع بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها، وتسهّل مرورها بسرعة وبدون عرقلة؛ وتقدم الإغاثة بدون تحيز أو أي تمييز مجحف، مع احتفاظ الأطراف بحق مراقبتها”.
القانون الجنائي الدولي
أما النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية فقد اعتبر تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، – جريمة حرب- أي كما وصفها النظام “من الانتهاكات الخطيرة للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي”.

نص المادة (8) الفقرة (ب/25):
“تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف”.

لا يمكن التسامح بتاتا مع أي أوامر يتخذها الطرف الذي يفرض التجويع بإدارة الأعمال العسكرية من خلال هذه المنهجية التي تودي بحياة الأشخاص المدنيين

القانون الوطني
هذا الحظر ملزم للدول الأطراف في معاهدات جنيف الأربع والبروتوكولات الإضافية الملحقة بها، كما أنه أيضا ملزم لجميع الدول بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي التي تعبر عن ممارسات مستمرة وواسعة النطاق حول العالم، حيث أوردت العديد من الدول حظر التجويع في كتيبات الدليل العسكري لديها. كما أصدرت دول عديدة تشريعات وطنية تعتبر استخدام التجويع جريمة يعاقب عليها مرتكبها.

وفقا لما تقدم فإن القانون الدولي يحظر استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، بل ويضعه ضمن الأفعال التي تشكل جريمة حرب.

وبالتالي لا يمكن التسامح بتاتا مع أي أوامر يتخذها الطرف الذي يفرض التجويع بإدارة الأعمال العسكرية من خلال هذه المنهجية التي تودي بحياة الأشخاص المدنيين، ومنهم الفئات الأكثر هشاشة مثل الأطفال والنساء الحوامل، والمرضعات، وكبار السن، والمرضى.

الجزيرة نت




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.