قانون حق الحصول على المعلومات والمفوضية الغائبة: تحديات الشفافية في السودان

✍️ عميد شرطة (م)
عمر محمد عثمان

سودافاكس – في مطلع نوفمبر الجاري، تداولت الأخبار نبأً طيباً: تسلّم السيد وزير الشؤون الدينية والأوقاف السوداني صكوك التعويضات الخاصة بأوقاف السودان في المملكة العربية السعودية، في حدثٍ عُدّ إنجازًا وطنيًا ودبلوماسيًا مهماً. وقد شكر الوزير السلطات السعودية على تعاونها، مؤكداً أن هذه التعويضات ستفتح آفاقاً جديدة لاستثمار الأوقاف وتنميتها.

ولا شك أن هذا العمل يستحق الثناء، فهو دليل على أن مؤسسات الدولة بدأت تستعيد عافيتها وتؤدي الدور المناط بها. غير أن تساؤلاً جوهرياً يظل يفرض نفسه: كم تبلغ قيمة هذه الصكوك؟ وكيف ستُدار وتُستثمر؟ لا يُطلب هنا كشف كل التفاصيل الدقيقة، بل الحد الأدنى من المعلومات التي تعزز الثقة وتؤكد مبدأ الشفافية.

وهنا يبرز دور قانون حق الحصول على المعلومات لسنة 2015، الذي كان قادراً على تحويل الغموض إلى وضوح، لولا أن المفوضية العامة للمعلومات ما زالت غائبة عن المشهد، مما أفقد القانون تأثيره العملي. صدر هذا القانون في فبراير 2015 استناداً إلى المادة (39) من الدستور الانتقالي لعام 2005، بعد كفاح طويل قاده الصحفيون ومنظمات المجتمع المدني من أجل حق المواطن في المعرفة. وقد أراد واضعوه أن يكون حجر الزاوية في بناء دولة حديثة تقوم على الشفافية والمساءلة، حيث تُعتبر المعلومة حقاً أصيلاً للمواطن لا منّة فيه من الدولة.

يغطي القانون جميع مؤسسات الدولة الاتحادية والولائية، إضافة إلى الشركات التي تمتلك الحكومة فيها أكثر من 51% من الأسهم، ويمنح الأفراد الحق في طلب المعلومات، على أن تلتزم الجهات المعنية بالرد خلال ثلاثين يوماً. كما يحدد القانون استثناءات واضحة، تشمل ما يتصل بالأمن القومي والدفاع والعلاقات الخارجية وسير التحقيقات الجنائية وبعض الشؤون الشخصية، وهي استثناءات مشروعة تهدف إلى حماية المصلحة العامة دون أن تتحول إلى ذريعة لحجب المعلومات العامة.

ومع أن السودان كان من أوائل الدول العربية التي سنت قانوناً متكاملاً لهذا الغرض، إلا أن دولاً عربية أخرى سلكت مسارات مختلفة. ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تبنّت الدولة سياسات مؤسسية للوصول إلى المعلومات ضمن التحول الرقمي لرؤية 2030، عبر “سياسة حرية المعلومات” التي تتيح للأفراد طلب البيانات العامة، باستثناء ما يتعلق بالأمن والدفاع والتحقيقات والبيانات الشخصية. ورغم أن التجربة السعودية لا تزال تقوم على التنظيمات الداخلية أكثر من قانون شامل، فإنها تمثل خطوة عملية نحو تعزيز الشفافية وتطوير العمل الحكومي.

وتظل قصة تعويضات الأوقاف السعودية نموذجاً لما يمكن أن يقدمه القانون من خدمة للمجتمع. فلو كانت المفوضية قائمة وتعمل بكامل طاقتها، لأصبح في وسع أي مواطن معرفة قيمة الصكوك وآلية صرفها وخطط استثمارها في إطار قانوني واضح يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع. وهذا لا يعني أن وزارة الأوقاف هي الجهة الوحيدة التي لا تُفصح عن المعلومات للمواطنين، بل إن هذا النمط من الغياب في الإفصاح يكاد يكون سائداً في معظم مؤسسات الدولة، مما يجعل تفعيل القانون ضرورة وطنية لا ترفاً إدارياً. فالشفافية ليست عبئاً على المؤسسة، بل حماية لها ولمن يعملون فيها.

إن التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في نصوص القانون، بل في تفعيل أدواته ومؤسساته. فالقوانين، مهما بلغت من الدقة، تبقى حبراً على ورق إن لم تجد من يؤمن بها ويعمل على تطبيقها. إن قانون حق الحصول على المعلومات، ومتى ما كُوِّنت مفوضيته وفُعِّلت، سيكون بوابة السودان نحو حكم رشيد يقوم على المكاشفة والمشاركة، ويعيد للمعلومة مكانتها كركيزة أساسية للنهضة والتنمية والعدالة.




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.