(ٌإنبوكسات) .. كابوس المتحرشون
من بين ركام الأخبار والتقارير الصحية خرج قروب “انبوكسات” ليتصدر المشهد الإخباري، القروب النسائي الذي يضم نحو 6 آلاف امرأة، يستهدف فضح المتحرشين، من خلال عرض وقائع مختلفة وتجارب متعددة للعضوات مع الأشخاص المعنيين. طبيعة هذا القروب الخاصة أدت كما هو متوقع لشيوع حالة من الذعر لدى المستهدفين بالفضح، لكنها قادت أيضاً الى مخاوف من انحراف القروب عن هدفه الرئيس، وأن يصبح أداة لتصفية الحسابات الشخصية مع رجال بعينهم أو استهداف أسر محددة من قبل العضوات.
ليلى محمد عثمان ترى في هذا القروب مساحة لاسترداد ما تصفه بالاعتبار الشخصي، الذي يسلبه من يتعرض لفتاة بالتحرش. الضحية كما تقول تتعرض لإذلال حقيقي ناجم عن التعامل معها كمجرد جسد يمكن مراودته ومساومته، في أي وقت وأي مكان، حتى إن كان بالكلام المعسول.
ليلى تنظر للتحرش كجريمة يجب عدم السكوت عليها وفضحها من أجل استئصالها، حماية للمجتمع وحماية لحقوق المرأة بشكل خاص.
من الحقوق التي تشير إليها ، الشابة، وتعرض المتحرش بها لانتقاص، حقها في المشاركة في الإطار العام وإبداء آرائها بحرية في قضايا ذات حساسية اجتماعية، دون التعامل مع ذلك الحق باعتباره مؤشراً على شخصية غير مستقرة أو منفلتة، و”متساهلة وعرضه للابتزاز”. ليلى تتساءل في حديثها مع “الجريدة” عن دوافع من يجرمون من يفضح المتحرشون بالفتيات، متشككة في مدى إيمانهم بالعدالة وحق المرأة في الإنصاف، والانتصار لذاتها التي يتجاهلها المتحرش، ويتعامل معها كجسد يجب اصطياده.
كيفية التعامل مع تمدد هذه الظاهرة، واتساع نطاق المبادرات الداعية إلى محاصرتها في كل مكان، ربما كان من أسباب خروج “انبوكسات” للعلن، وذلك بحسب، وجدان صالح، التي تؤكد أن التحرش بالفتيات أصبح جزءاً من المشهد اليومي في الأسواق والجامعات، ودواوين الحكومة والشركات العامة والخاصة، وتضيف أن من لا يتحرش يسكت على التحرش بذريعة إنهن سكتن.
انبوكسات ، بنظر وجدان، مبادرة شجاعة يجب أن تتسع لتشمل كل نساء السودان، اللائي يحملن هواتف ذكية، حتى يصبح لدى كل منهن معرفة بأساليب التحرش وكيفية التعامل معه، فضلاً عن قائمة بمن يتحرش في منطقتها.
في المقابل لا ترى ، نجوى الشيخ، في قروب الواتس آب، أي تمييز على أساس نوع، لأنه ليس إلا مجموعة تواصل اجتماعي أخرى، توجد مئات المجموعات مثلها وتناقش قضايا اجتماعية عديدة، من بينها ذات القضية المعنية وهي التحرش.
كل ما أثاره القروب ، من وجهة نظرها، يؤكد أن حل ظاهرة التحرش يكمن في فضحها وفضح المتحرشين وحماية النساء منهم، عن طريق التحذير من أشخاص، سبق وأن خضعن لتحرش منهم.
انبوكسات كما ترى أول خطوة عملية في طريق محاربة ظاهرة التحرش بأنواعها، وجرس إنذار بأن الظاهرة وصلت مرحلة لا يمكن السكوت عليها، ولذلك كان من المتوقع أن يثير هذا القروب جدل حول دوره وتأثيراته، وذات الجدل كما تؤكد نجوى يعد دليل على أن المسيرة انطلقت.
القروب الذي أثار بالفعل اهتمام مجموعات مختلفة من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي واعتبرته وسائل إعلام إقليمية سابقة تستحق التنويه، تعرض في المقابل لحملة في ذات الوسائل على أساس أنه أداة لاستهداف الرجال على أساس شخصي، لأنه يتيح للعضوة عرض أدلة على التحرش دون التحقق من صحتها، في ظل وجود تقنيات تسمح بتزييف المداخلات.
يرى ع. م موظف ،فضل حجب هويته، أن القروب تحول بالفعل لأداة استهداف على أساس شخصي ومساحة لتصفية حسابات ليست لها علاقة بالظاهرة، ويتساءل عن سبب اعتبار بعضهن المراسلة في “الانبوكس” عملية تحرش، والتعامل مع محاولات التواصل بلا تمييز باعتباره نوعاً من التحرش. وقال إن التحرش معرف قانوناً ولا يحتاج لتعريف جديد، ما يضع أغلب تلك التصنيفات في خانة التهويم.
وأشار، تامر حسين ـ موظف ـ إلى أن بعض الرجال أيضاً ضحايا لظاهرة التحرش، لكنهم لا يكشفون عن ذلك ولا يعلنون في مواقع التواصل الاجتماعي عنها، وتساءل تامر:” ماذا إن قرر أولئك المتحرش بهم أن ينشروا صوراً وأسماء المتحرشات وحكوا عن تجربتهم؟”، ويرد قائلاً:” طبعاً كارثة ستحل على المتحرشات وعلى أسرهن، ما يعرض المجتمع لمخاطر يجنب تجنبها ما أمكن ذلك”.
في الواقع انتشرت على مدى سنوات مبادرات اجتماعية لمحاربة ظاهرة التحرش، بعدما خرجت عن طورها، لكن مدى التجاوب مع تلك المبادرات أضعف من فاعليتها وقدرتها على إحداث التأثير الاجتماعي المطلوب.
وربما لهذا يعتبر الباحث الاجتماعي، ياسر إبراهيم، أن فرص نجاح أي مبادرات جديدة، تعتمد على مدى تلاؤمها مع التطورات في المجتمع وأدوات التواصل بين قطاعاته، والتي أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي ذروته.
ويرى الباحث أن القروب قد يشكل مصدر تهديد دائم لمن يستخدم هذه الوسائل لغرض غير شريف، ما يحد من الظاهرة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ذلك لن يؤثر على فضاء الظاهرة الأكبر والفعلي خارجها. وتابع:” طبعاً بعض عمليات الفضح قد تلقي بظلال على حياة المتحرشين وأسرهم إن كانوا متزوجين، ولكن فضحهم أبقى وأدعى للإنصاف”.
من جهة أخرى يقلل مهتمون بقضية التحرش وكيفية توظيف مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سليم، من أجل جهود المكافحة، من ما قد يحققه القروب المعني. ويرى بعضهم أن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تساهم في رفع الوعي وفضح التحرش، إن استخدمت لذلك، وقد تتحول وسيلة تدمير الناس بتهم التحرش.
ويؤكد الخبير القانوني، أحمد عبد الرحمن، أن التحرش جريمة يعاقب عليها القانون، والذي يعاقب أيضاً ادعاءات التحرش واتهام الناس بالباطل.
عبد الرحمن يشير لتمدد الظاهرة رغم نشاطات رفع الوعي المستمرة، ما يعني أن الأداة الأنسب لاجتثاث الظاهرة هو اللجوء للقانون.
ويتابع:” المطلوب رفع وعي الآلاف النساء اللائي يتعرضن للتحرش، ففي أماكن مختلفة من البلاد، ولا يعلمن بحقوقهن ولا يذهبن للدفاع عنها”.
ومع أن تاريخ التحرش في السودان لم يبدأ مع بزوغ المجتمع المدني في صورته الأخيرة، والذي يتصدى للظاهرة، إلا أن أشكال التحرش التي برزت في السنوات الأخيرة، دفعت بالقضية إلى الواجهة، بحيث تقدمت على ما عداها من قضايا في تراتيبية الهم الاجتماعي.
الجريدة