هستيريا تنتاب شاباً حينما عرف أنه مصاب بالإيدز بمستشفي سوداني

يبلغ من العمر 22 عاماً، إذن هو ما يزال في ريعان شبابه، يبدو أن شكوكاً ساورته بأن الذي يقف وراء تدهور حالته الصحية مرض ليس طبيعياً، فحدثته نفسه بالذهاب إلى مركز الفحص الطوعي والإرشادي لمرض الإيدز، وبشجاعة طلب إخضاع أم إن شكوكه ليست في محلها، قبل استلامه النتيجة عاش لحظات عصيبة وقاسية وتقاذفته الظنون والهواجس الممزوجة بالمخاوف، أجلسته المرشدة النفسية وهي تحمل في يدها مظروفاً يحوي داخله نتيجة التحليل، وبعد أن عملت على تهيئته نفسياً أخبرته بأنه مصاب بالمرض، فدخل في نوبة هستيريا حادة كان يصرخ بصوت مسموع ويردد “مستحيل، مستحيل “.

مواجهة الحقيقة

كان الشاب العشريني في أشد حالات الانفعال والانهيار النفسي، فتركته المرشدة النفسية ببرنامج مكافحة الإيدز بكسلا، علا عبد المنعم هاشم وحيداً ريثما تستقر حالته النفسية ويلتقط أنفاسه، ثم عادت إليه وقد استحضرت كل مكنون خبراتها في التعامل مع مثل هذه الحالات وعملت على تهدئة روعه وتخفيف حدة مخاوفه، وهو يؤكد والدموع قد بللت خديه أنه لم يتعرض للإصابة بالمرض وأنه يريد الهجرة خارج السودان، لتدخل المرشدة النفسية بعد أن أحضرت له كوب ماء، وتركته يخرج هواء ساخناً من دواخله ويفرغ طل شحنات الحزن، فقالت له إن التعرض للإصابة ليس بالضرورة أن يكون حديثاً فربما يعود إلى عشرة أعوام إلى الوراء، وشرحت له أن فيروس الإيدز يمكن أن يبقى في جسم الإنسان بين عشرة إلى خمسة عشر عاماً، إذا كان الإنسان يتغذى جيداً ويحافظ على صحته، وبد ثرة الشاب في التراجع والمرشدة النفسية تحدثه عن المرض وأهمية العلاج وتذكره بأن كل شيء بأمر من الله، وأكدت له على أهمية العلاج، ولم تكتف بذلك بل قادته إلى جمعية المتعايشين المصابين بذات المرض ووقف أحدهم بجانبه، إلا أن الشاب اختفى فجأة عن انظارهم لمدة ثلاثة أشهر، وحينما عاد أخبرهم بأنه خضع لتحاليل مكثفة بأكثر من معمل بالعاصمة الخرطوم وتم تأكيد إصابته بالمرض، وأكد لهم في نبرة حزينة حضوره إلى كسلا للخضوع لبرنامج العلاج.

إصابة أسرة

لا يعرف الإنسان ماذا تخبئ له الأقدار، بيد أنه في كل الحالات عليه التسليم بقضاء الله وقدره، وهذا مافعلته إحدى الأسر التي انقلبت حياتها فجأة رأساً على عقب، فالزوجة وفي إطار فحص روتيني للحوامل عن كافة الأمراض بما فيها الإيدز اكتشفت أنها مصابة بالمرض لم تنهار رغم حزنها ويبدو أنها تسلحت بقوة العزيمة، فأخبرها من يعملون بالمركز المخصص للفحص والإرشاد بضرورة إخضاع أفراد أسرتها الآخرين للتحاليل المعملية، فكان أن اظهرت النتائج إصابة زوجها وابنتها الصغرى، غير أن إرادة الله شاءت أن تأتي نتيجة ابنهما سلبية أي أن دمه خالٍ من فيروس المرض، أما الذي كانت تحمله في أحشائها فبعد والدته ظهر عليه المرض فخضع لعلاج مكثف فتجلت قدرة الله مرة أخرى، فبعد ثمانية عشر شهراً من العلاج تعافى منه .

وتتجلى قدرة الله

نموذج ثالث للمصابين بمرض الإيدز في كسلا يحمل بين ثناياه تأكيدًا على قدرة الخالق وحكمته البالغة تأتي في كثير أحيان مخالفة لكل القوانين والنظريات البشرية، كيف لا وهو القوي، وقصتنا الثالثة لأسرة أخرى ظهر المرض على عائلها وذلك حينما أجرى برنامج مكافحة الإيدز فحصاً متجولاً فتم تحويله إلى مركز مختص بعد التأكد من إصابته بالداء اللعين وطلب منه بالمركز إحضار زوجته حتى يتم إخضاعها للفحص وشاءت إرادة الله أن تظهر النتيجة سلبية توضح عدم إصابة الزوجة بالمرض وهو الأمر الذي أثار حيرة من بالمركز، طالبوها بالحضور بعد ثلاثة أشهر لإجراء التحليل مرة أخرى لمزيد من الاستيثاق مع تشديد منهم بألا تتعرض لما يمكن أن ينقل إليها المرض، ومجدداً جاءت النتيجة مؤكدة عدم إصابتها بالفيروس، فتم تحويلها وزوجها إلى إدارة تنظيم الأسرة وخيرهم المواظفون بين ممارسة حياتهم طبيعية أو استعمال مانع الحمل فاختارا الأخير، وطوال ثلاثة أعوام ظلت الزوجة وفية لزوجها وهي تشد من أزره وتقف معه في محنته، ولكن مرة أخرى كان عليهما التوجه نحو المركز بعد أن تعرضت الزوجة لخطر الإصابة بالمرض، ومجدداً تفرض عناية السماء كلمتها حينما أكدت النتيجة عدم إصابتها بالمرض، بل شاءت إرادة الله أن تكون حاملاً وقد رزقهما الله بطفلهما الأول، وما تزال الزوجة تساند زوجها .

طفلي مصاب

وفي حالة نادرة وغريبة تقول أم إن طفلها الذي يبلغ أحد عشر عاماً من عمره كان مصاباً بمرض سوء التغذية وذهبت به نحو الطبيب الذي رأى بحكم خبرته ضرورة تحويله إلى مركز الإرشاد والفحصي الطوعي للإيدز، وتشير إلى أن المرشد النفسي أخبرها بما طلبه الطبيب منها ليتم إخضاع عينة من دم الصغير إلى التحليل المعملي لتؤكد النتيجة أنه مصاب بمرض الإيدز، وتقول الأم: “رغم هول المفاجأة إلا أنني تماسكت سريعاً لأن ما حدث هو أمر رباني وليس في يدي شيء أفعله غير دعم ابني معنويًا حتى يتجاوز محنته”.

وتشير إلى أن المرشد النفسي طالبها بضرورة أن تخضع هي الأخرى للفحص بعد تلقيها الأرشاد القبلي، وهي متوجسة ثم توجهت ناحية المعمل وبعد ظهور النتيجة تجلت قدرة الله حيث جاءت سلبية لتؤكد عدم إصابة الأم بالمرض.

برنامج

في ولاية كسلا الحدودية فإن برنامج مكافحة الإيدز الولائي المدعوم من الاتحادي يشكل حضورًا مؤثراً وفعالاً حيث يعمل على تنفيذ مكافحة المرض استجابة للبرنامج القومي لخفض الإصابة بهذا المرض، ويقدم المركز خدمات الوقاية الفعالة والعلاج والتأهيل للمحافظة على نسبة انتشار فيروس مرض الإيدز أقل من 24% وسط العامة، وأقل من 5% وسط الفئات الخاصة، ووفقا لنتائج المسح السلوكي التي أجراها البرنامج، فقد تأكد أن المرض منخفض وسط عامة السكان بكسلا وأنه متمركز وسط الفئات الأكثر عرضة وهي (المتعاملات بالجنس التجاري، و”الشواذ”)، ومحاور عمل برنامج مكافحة الإيدز في كسلا تتعدد ومنها الوقاية، الرعاية والدعم والعلاج، تخفيف الآثار والوصمة والتمييز، الجودة والتنسيق، وإدارياً توجد به سبعة أقسام، ويتبع البرنامج لإدارة الطب الوقائي بوزارة الصحة الولائية، ويشرف عليه مدير عام الوزارة بمتابعة من وزير الصحة، ويقدم البرنامج خدماته الإرشادية والعلاجية والمعملية في 84 مركزاً بست محليات .

الأرقام تتحدث

وتشير الإحصاءات إلى أن الذين خضعوا للإرشاد والفحص خلال الربع الأول من هذا العام بلغ عددهم 1067 من الإناث و1692 من الذكور، وقد تم اكتشاف 142 حالة إصابة بالمرض، حيث تبين أن 102 من الذكور يحملون الفيروس مقابل 40 من الإناث، وبمركز الإيدز والدرن فإن الذين خضعوا للفحص وتلقوا الإرشاد بلغ 228 وتبين أن ثمانية منهم مصابون بالإيدز.

الجدير بالذكر أن برنامج مكافحة الإيدز بكسلا بدأ عمله فعلياً في العام 2005 وخلال هذه الفترة فإن مجموع الذين تلقوا الفحص بلغ عددهم 28868 مواطناً، والذين أثبتت الفحوصات إصابتهم بالمرض بلغ عددهم 1636، أما فيما يتعلق ببرنامج منع الانتقال الرأسي من الأم الحامل المصابة إلى طفلها فقد بلغ عدد اللواتي خضعن للفحص منذ العام 2008 25182 وتبين أن 129 منهن مصابات بالمرض، حيث جاء الفحص إيجابياً، أما مرضى الدرن الذين تلقوا الفحص بلغ عددهم منذ قبل تسعة أعوام 1347 جاءت حالة 190 منهم إيجابية.

أدوار نفسية

تقول المرشد النفسي علا عبد المنعم هاشم إن برنامج مكافحة الإيدز في كسلا يحظى باهتمام كبير من جانب وزارتي الصحة اتحاديًا وولائياً، وإن هذا أسهم إيجابًا في تطور مشاريعه ووصوله إلى أعداد كبيرة للمواطنين وإقناعهم بضرورة إجراء الفحص الطوعي، وترى في حديثها لـ(الصيحة) أن نسبة تلقي الإرشاد القبلي والفحص تمضي في زيادة عاماً تلو الآخر، معتبرة هذا دليلاً على حدوث وعي في المجتمع بفضل الجهود المبذولة من المركز وعديد جهات، مبينة عن وجود ثلاثة مراكز علاجية بمستشفيات حلفا، كسلا والشجراب بالإضافة إلى 13 مركز فحص طوعياً وإرشادياً، وقالت إن العلاج للمصاب يستمر مدى الحياة كما يخضع لفحوصات دورية وإذا توقف عن العلاج فإن المسؤولين في المركز يذهبون إليه لمعرفة أسباب توقفه وتذليلها، وكشفت عن وجود جمعية للمتعايشين مع المرض تؤدي أدواراً هامة وتمثل حاضنة للمصابين يلتقون خلالها وتخفف عنهم الضغط النفسي الناتج عن الإصابة بالمرض.

محليات ترفض

وقالت إن دورهم بوصفهم مرشدين نفسيين الالتقاء بمن يريد إجراء فحص طوعي قبل خضوعه له، ثم بعد ظهور النتيجة، بالإضافة إلى أدوار الإرشاد، وإنه بعد ظهور النتيجة يتم تحويل المريض إلى الطبيب، وتعتقد أن المنظمات التي تتعامل معهم تسهم بجانب وزارتي الصحة اتحادياً وولائياً في توسع مشاريعهم لتشمل إرشاداً وفحصاً لأكبر عدد من المواطنين، غير أن علا توضح رفض عدد من المحليات السماح بدخول فرق برنامج مكافحة الإيدز، وأكدت عدم معرفتهم بوجود إصابات وسط المواطنين من عدمها، وتتمنى تعاون سلطات ومجتمعات هذه المحليات معهم، وتوضح أن إصابة الأطفال غالباً ما تأتي في فترة الرضاعة لوجود كميات كبيرة من الفايروس في اللبن، وقالت إن نسبة انتقال المرض من الأم المصابة إلى الجنين تبلغ 60%، وإن 84% هي نسبة انتقاله عبر الاتصال الجنسي وما بين 5 إلى 7% الإبر الملوثة، وتوضح أن أي إنسان مصاب بالإيدز سيتعرض للإصابة بمرض الدرن، وذلك لضعف الجهاز المناعي.

وتختم المرشد النفسي علا عبد المنعم هاشم حديثها بالتأكيد على ارتفاع نسبة الوعي بالفحص الطوعي للمرض بكسلا وتأمل في الإقبال عليه حتى يعرف الإنسان هل هو مصاب به أم لا؟ .
الصيحة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.