الرياضة والتصوير العقلي (1)… تطوير للأداء وتخفيف الإصابات

التصوير العقلي أو “Imagerie Mentale”. أن تتخيل أشياء من الخيال وتجسدها في عالمك الحقيقي لكي تتعرف عليها الذاكرة وتصبح جزءاً من عقلك الباطني هو جزء من هذه العملية. أن تلمس الأشياء، تشم الروائح من حولك وتسمع الأصوات، كل هذه الحواس هي جزء من عملية تجسيد لصورة غير حقيقة في عقلك لكي تعيشها في لحظة وعي وليس نوماً.

أثبتت الدراسات العلمية أن التصوير العقلي قادر على طبع أشياء من الخيال وتحويلها إلى نقاط قوة لدى الرياضي لكي تساعده على تطوير أدائه وعدم الخوف من كشف مشكلته والتخلص منها. وذلك لأن التصوير العقلي يعمل على عدة عناصر لدى الرياضي وهي: استعادة الثقة بالنفس، التركيز أكثر، التحفيز المعنوي، خلق توازن بين القلق والخوف، السرعة في العودة من الإصابة.

تطوير الأداء
عندما يخسر الرياضي منافسة أو مباراة يشعر بالحسرة والحزن لأنه لم يُحقق الفوز الذي يرفع من معنوياته، ويسترجع ذكريات المباراة أو المنافسة في شريط سريع، والأهم أنه يُركز على الأخطاء التي ارتكبها بغية تفاديها في المرة القادمة، لكن في نفس الوقت عقله الباطني لم يتعلم كيفية تفادي هذا الخطأ، لأنه أصلاً مر به في لحظة عابرة في المباراة ولم يطبعه في دماغه.

من هنا يأتي دور التصوير العقلي الذي يسمح بتغيير تفكير اللاعب لكي يتصرف بطريقة مغايرة عندما يتعرض لنفس الموقف في المستقبل. يمكن للرياضي أن يغوص في عملية التصوير العقلي بطريقتين، الأولى هي تجسيد نفسه على أنه يقوم بالحدث وإعادة رسمه في مخيلته لخلق صورة خيالية أمامه مباشرةً، أما الطريقة الثانية فهي لعب دور المتفرج الذي يشاهد نفسه وهو يقوم بنفس العملية على أرض الملعب.

فلنتخيل لاعب كرة قدم يتقدم لتنفيذ ركلة جزاء في الطريقة الأولى (تجسيد نفسه ومشاهدة ماذا يفعل). يتقدم اللاعب، يرى يديه أمامه، يضع الكرة على الأرض، يراقب المرمى والحارس الذي يحاول التشويش عليه لكيلا يُسجل الكرة في الشباك. هو لا يرى نفسه بل يشعر بكل شيء من حوله، العشب الأخضر، الجماهير تصرخ، المدرب ودكة البدلاء تشجعه من أجل تسجيل الكرة. يتقدّم ويُسددها إلى الزاوية اليُسرى ويهدرها.

أما في العملية الثانية (لعب دور المتفرج)، فيُشاهد اللاعب نفسه من مكان بعيد، يتابع كل ما يجري من حوله، يراقب تحرك قدميه وحركة يديه، كما يلاحق التوتر الذي يعيشه قبل التسديد، ينتظر صافرة الحكم، يتقدم ويُسدد الكرة ويُهدر ركلة الجزاء.

بعد ذلك يدخل اللاعب مرحلة التصوير العقلي، يسترجع ركلة الجزاء خطوة بخطوة من الداخل والخارج، يتأمل في كل تفصيل لمعرفة السبب الذي دفعه لإهدار ركلة الجزاء. يسترخي ويعيد تجسيد نفس الصور (جماهير، عشب أخضر، ضغط، أصوات في كل مكان…)، وهذه المرة يتقدم في مخيلته ويُسدد الكرة في الشباك، ثم يحتفل ويفتح عينيه ليجد نفسه في حالة من الاسترخاء الكامل مستعيداً ثقته بنفسه وكامل تركيزه الذي فقده في الواقع عندما سدد في الملعب.

العودة والتخفيف من الإصابات
عندما يتعرض لاعب لإصابة في أرض الملعب، من الصعب أن يعرف شخصياً كيف حدث الأمر أو لماذا أصيب وفقد قدرته على اللعب من جديد. ويمكن تبسيط الأمور بحالة في كرة القدم مثلاً: (لاعب يركض إلى الأمام بسرعة كبيرة يرواغ أول لاعب ثم يتعرض لعرقلة من الخلف تؤدي إلى إصابته وخروجه من الملعب، وبالتالي انتهاء المباراة بالنسبة له).

قبل الدخول في مرحلة العلاج الجسدي للتعافي من الإصابة التي تعرض لها اللاعب، يجب عليه الدخول في مرحلة العلاج الذهبي والنفسي قبل أي شيء. أولاً لأنه على دراية كاملة بأنه لن يلعب لأسابيع وربما لأشهر وسيكون في مزاج سيئ ويبث طاقة سلبية إلى عقله.

مع بداية التصوير العقلي يسترخي اللاعب ويعيش حالة ذهبية إيجابية لكي يعود إلى ما كان عليه قبل التعرض للإصابة، وتبدأ بعدها عملية تجسيد صور من نسج خياله لفرضيات الإصابة وكيف تعرض لها، على الرغم من أنه لم يشاهدها أصلاً على أرض الملعب في الحقيقة.

لكن اللاعب يبدأ بتجميع الصور التي تركها في الملعب ويستعيد مراوغته قبل العرقلة من الخلف، ويتخيل الطريقة التي حدثت بها الإصابة مثلاً (ركلني على فخدي، أو عرقلني عبر ضرب قدمي من الخلف وأصاب الأوتار الخلفية)، وكلما تميز اللاعب بخياله تحسنت الصورة لديه ووصل إلى أفضل سيناريو لطريقة حدوث الإصابة.

وعندما يصل اللاعب إلى السيناريو الذي اعتبره مناسباً للحالة التي حدثت، يصل إلى درجة عالية من الاسترخاء لأنه عرف كيف أصيب ويبدأ عقله ببث الطاقة الإيجابية التي ستدفعه للغوص في حقيقة الإصابة وكيفية تفاديها في المستقبل، وبالتالي يتحفز للعودة إلى الملاعب سريعاً بشكل رهيب، وأثبتت الاختبارات في الأبحاث العلمية المتخصصة في علم التصور العقلي أن عودة اللاعب من الإصابة تكون أسرع بكثير عندما يجري عملية التصور العقلي.

يضع اللاعب سيناريوهات من الأقرب إلى الأبعد ويختار له المدرب أو الشخص المسؤول عن التصور العقلي السيناريو الأقرب (لأنه شاهد الحالة مباشرةً أو في الإعادة التلفزيونية من قبل). بعد ذلك يبدأ اللاعب بتجسيد الحلول الممكنة لتفادي مثل هذه الإصابات في المستقبل.

ومثال على ذلك، عندما يدخل اللاعب في مراوغة مماثلة ويجد نفسه في موقف صعب يُمرر الكرة بدلاً من الاحتفاظ بها حرصاً على سلامته، أو مثلاً يتوقف بالكرة وينظر إلى اللاعب الذي وراءه، أو حتى تغيير اتجاهها ومنع اللاعب من ضربه من الخلف. كلها أمثلة يتخيلها اللاعب نفسه، ثم يطبقها في الملعب ليجد نفسه في مكان أفضل في المستقبل.
العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.