مشروع بريطاني لدعم اللاجئين ذوي الخبرات المهنية
مدّ يد العون للاجئين الذي يملكون كفاءات علمية وخبرات مهنية هو تماما ما يسعى إليه القائمون على مشروع “شاتربوكس” البريطاني. ويتيح هذا المشروع توفير فرص عمل تساعدهم على بناء حياتهم وتقاسم مهاراتهم مع مجتمعهم الجديد.
عندما وصلت حكمة يعقوب قبل سنتين إلى بريطانيا لم تكن تعرف من أين تبدأ، فحكمة كانت تعمل في بلدها الأم السودان كمحامية في مجال حقوق الإنسان. خلال مسيرتها المهنية الناجحة، واجهت الشابة السودانية العديد من التحديات، كما أنها شاركت في الكثير من المشاريع السياسية، إلا أن عملها كمحامية حال دون عودتها إلى السودان. فحكمة قدمت اللجوء في بريطانيا. وهناك لا يمكن لحكمة أن تزاول مهنتها التي كرست حياتها للعمل فيها، فحاجز اللغة واختلاف الثقافة يجعل العمل في هذا المجال شاقا حسبما تؤكد اللاجئة السودانية وتضيف بالقول ” شعرت بالوحدة، فكل شيء جديد بالنسبة لي، كان الأمر مرعبا”.
يشعر الكثير من اللاجئين بالغربة، بعيدا عن أهلهم وأصدقائهم وبلدهم. لكن ما يزيد من معاناتهم هو عدم إيجاد عمل يلائم تخصصاتهم، وخاصة أن الكثيرين منهم لديهم شهادات عليا في مجالات مختلفة مثل الطب والقانون وغيرها. ورغم الخبرات الطويلة التي جمعوها في بلدهم، لكن هذه الخبرات لا تضمن لهم إيجاد عمل ملائم لهم.
هذا الأمر دفع إلى إطلاق مشروع ” شاتربوكس” لمساعدة اللاجئين. ويسعى القائمون على هذا المشروع إلى إيجاد عمل للاجئين ذوي الكفاءات العالية، من بينهم حكمة وصديقتها ميس خداج التي درست الصيدلة في مدينة حلب وهي تعمل كمدرسة لغة.
وتتمحور فكرة مشروع ” شاتر بوكس” حول بناء شبكة من العلاقات بين الجامعات، وتحديدا أقسام الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، ورجال الأعمال و أولئك الذين يشترون دروسا ومحادثات مرخصة للبيع. ويتيح المشروع للاجئين العمل مقابل دخل مادي. بينما يتلقى طالب اللجوء الذي لايستطيع العمل بشكل قانوني تعويضات و دروس تقوية في اللغة الانكليزية.
مهارات موثوقة
ويقوم القائمون على المشروع بتحديد واجبات المدرسين والتزاماتهم. وترى خداج التي تعتني بالأطفال أن التدريس لبضع ساعات في الأسبوع بمثابة “شريان الحياة”، فمن خلال عملها تتمكن تطوير علاقاتها الاجتماعية وكسب بعض المال، وتضيف بالقول “فرصة لي للخروج والقيام بشيء خاص بي. أنا أشعر بالسعادة عندما أكون مع الطلاب”.
حكمة هي سعيدة بعملها أيضا، فهي تعمل كمدرسة لغة وعن ذلك تقول “كانت فرصة رائعة بالنسبة لي أن أبدأ تدريس اللغة العربية” وتضيف” حقا أحببت الأمر، حيث يتم الاعتراف بأن لدينا شيئا له قيمة، وأننا هنا في بريطانيا نقوم بعمل جيد”.
وتعود فكرة المشروع إلى مُقاولة شابة تدعى مورسال هديات. تبادرت الفكرة إلى ذهنها أثناء زيارتها لمخيم اللاجئين في”كاليه”. هديات هي أيضا ابنة أسرة لاجئة هاجرت من أفغانستان إلى بريطانيا، وكانت أمها صاحبة مسيرة مهنية متميزة في التنمية الدولية، وفي العمل الحكومي و الأكاديمي في العاصمة كابول.
كانت هديات صغيرة عندما هربت مع عائلتها، لكنها لازالت تتذكر الصعوبات التي واجهت والدتها بحثا عن عمل لها يلائم خبراتها المهنية وتقول” فقدان كل شيء لايعني خسارة ماتملكه” وتضيف” لسوء الحظ، ينبغي ترك كل شيء، كل ما تم بناؤه فكريا واجتماعيا وروحيا أيضا. تخسر شبكة المعلومات الخاصة بك، ووظيفتك وشهاداتك التي لم تعد صالحة”.
ويهدف مشروع ” شاتر بوكس” كسر طوق العزلة الاجتماعية عن اللاجئين عبر توظيفهم. ما يتيح للاجئين شغل مناصب تلائم مهاراتهم. كما تتيح مهمة التدريس التي يقوم بها اللاجئون التواصل مع الطلبة والمهنيين أيضا، وعن ذلك تقول هديات” يخسر اللاجئون مناصبهم التي سعوا للوصول إليها طيلة حياتهم، ويصبحون موضع شفقة وكرم من الناس، إنها وضعية ضعيفة حقا”. وتضيف” تدريس اللغة بمثابة رد الاعتبار، إنه يعني أن الناس الذين يقومون بالتدريس يملكون شيئا لانملكه، وهذا مانريد”.
رحلة البحث عن المكان المناسب
وجدير بالذكر أن البرامج الحكومية البريطانية لا تبذل مجهودا كافيا لتلبية طلبات اللاجئين، في بحثهم عن عمل يلائم تخصصاتهم، بل حتى إنها تجبرهم على العمل في وظائف بسيطة ولاتلائم خبراتهم المهنية. وهذا ما يحد من إمكانيات مساهمتهم في المجتمع. الأمر الذي يجعل خداج تشعر بالإحباط. فاللاجئة السورية كانت تملك صيدلية خاصة بها في حلب، وفقدانها لكل شيء لازال يُسبب لها الألم “كنا نعيش حياة جيدة قبل خسارة كل شيء نحن أُناس نعمل بجد ولدينا شهادات ومهارات من الممكن أن تكون مفيدة” وتضيف” نريد أن نعمل ونجد في هذا البلد الجديد، لكننا نحتاج إلى دعم كبير وستموت مهاراتنا إن لم تتم مساعدتنا من أجل التواجد في المكان المناسب”.
دي دبليو الالمانية