البشير يوجه بتوفير الدراسات تصنيفات الفقر في السودان…إستراتيجية حكومية جديدة
وجه الرئيس السوداني عمر البشير أمس وزارة الضمان والتنمية الاجتماعية بتوفير الدراسات وتصنيف الفقراء إلى شرائح وتصميم المشروعات الإنتاجية التي تخرج الأسر إلى دائرة الإنتاج والكفاية.
وبحسب آخر مسح للفقر في السودان أجري العام 2009 قبل انقسام السودانيين كانت نسبة الفقر العامة في السودان 46.5%، منها 26.5% من سكان المدن و57.5%من سكان الريف.وعملت الحكومة على محاربة الفقر في ظل غياب الإستراتيجيات الدقيقة والمحكمة وسعت إلى تطبيق العديد من البرامج والسياسات المسنودة بتشريعات برلمانية كان آخرها وثيقة الإستراتيجية المرحلية للتخفيف من حدة الفقر في السودان كخطوة أولى في وضع نهج شامل ومنسّق للحدّ من الفقر.
ويقول خبراء اقتصاد إن عدم توفر نسبة حقيقية وواضحة عن الفقر في السودان يشكل هاجساً كبيراً تسعى الجهات إلى وضع مشاريع حقيقية للحد منه خاصة في ظل سعي الحكومة إلى تقسيم السكان بدرجة فقرهم لتوجيه البرامج التي تستهدف كل شريحة.
الدكتورعبدالله الرمادي الخبير الاقتصادي قال لـ”الصيحة”: نظرياً يمكن إجراء مسح إحصائي لأفراد المجتمع كافة، يبنى على مستوى دخل الفرد، ومستوى دخل الأسرة، وعليه تستطيع تقدير الحد الأدنى للفقر.
ولكن إذا اتسعت دائرة الفقر لتشمل أعداداً كبيرة يمكن في هذا الحالة أن يتم تقسيم مستوى الفقر إلى درجات: “مجموعة فقراء” من ضمنها الفقر المدقع، ومن ثم المجموعة التي تقع تحت الفقر لا تكاد تفي بالاحتياجات الضرورية، ويرى بإمكانية تصنيف المجتمع على هذا الأساس. واعتبر اتساع دائرة الفقر في السودان أمر مزعج حتى أصبحت طبقات، وليست طبقة واحدة، مما يدعو إلى تلافي هذا الوضع بتحسين الأوضاع المعيشية عبر سياسات رشيدة، وهذا ما تفتقر إليه البلاد رغم الإمكانيات الضخمة.
وأكد الرمادي أن التصنيف يحتاج إلى مهنية تعكس واقع الحال بتقديرات لا تراعي المسح الحقيقي فقط، بل لا بد من ملاحظات تقديرية أيضاً للأشخاص دون خط الفقر، وقدرهم بأكثر من 70 % بسبب ارتفاع معدلات التضخم، في الوقت الذى ظلت فيه الدخول ثابتة تتحرك ببطء شديد، ولا تجاري مستويات التضخم الكبيرة. الرمادي قال كل ذلك مرده إلى السياسات النقدية والمالية الخاطئة التي أدت إلى إغلاق 80 % من المصانع زادت من نسبة البطالة، وأدت إلى اتساع دائرة الفقر تراكمياً. كما أن سياسات وزارة المالية هي العمل على سد فجوة الموازنة، وفي نفس الوقت تصرف على الأعداد الكبيرة من التنفيذيين بالدولة، ما يعتبر إنفاقاً حكومياً متزايداً ومترهلاً على حساب المواطن، كما رفعت الحكومة الدعم عن الوقود والغاز والقمح، ما أدى إلى غلاء فاحش جعل كثير من الأسر تصل إلى دون مستوى الفقر.
الدكتور محمد الناير أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية قال: حسب آخر دراسة علمية ثبت أن نسبة الفقر 46.5 %، هذه النسبة أجريت بين وزارة المالية وبنك التنمية الأفريقي، إلا أنه لم تصدر بعدها دراسات علمية حديثة إلى الآن لكي يتم تحديد نقصان أو زيادة معدلات الفقر. وطالب الناير بإجراء دراسات علمية لتحديد معيار الفقر في السودان قبل الشروع في التصنيفات، خاصة وأن بعض الدول ترى أن نسبة الفقر تعتمد على الحصول على أقل من دولارين في اليوم، ولكل دولة معاييرها .
وقال لذلك تحديد ووجود معايير للسودان قضية مهمة لمعرفة ما الذي يتناسب مع السودان حتى يتم القياس عليه، ويرى الناير أن القضية ليست مؤشرات، بل تتعلق بخطة الدولة التي تسعى في تخفيض معدل الفقر حتى تبني خطتها على معلومات حديثة، وأوضح أن أيّ خطة إستراتيجية لا يمكن أن تبنى إلا على قاعدة معلومات قوية ومتكاملة تغذى من مراكز المعلومات والدراسات، وهذه تعطي مؤشرات حقيقية في كل القطاعات، وتوضح الرؤى لتبين معدل الفقر بصورة سليمة.
خروج قطاعات إنتاجية مثل الزراعة والصناعة والصناعات التحويلية التي كانت تستوعب آلاف العمال أسهم في زيادة الفقر، وخروج قطاعات من العمال عن الإنتاج، وأصبحوا تبعاً لذلك مستهلكين دون إنتاج حقيقي، في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة والمهن الهامشية حتى بين الخريجين، فإن ذلك مؤشر واضح على تمدد نسبة الفقر بالبلاد. ويقول رئيس اتحاد عام نقابات العمال المهندس يوسف علي عبد الكريم: إن الأجور السائدة حالياً لا تغطي 22% من تكلفة المعيشة، وهو قول يؤكد على معاناة قطاع عريض من المواطنين من خطر الفقر، ويرى أن ضعف الأجور ينعكس سلباً على مستوى المعيشة، ولذا فإن الفقر متمدد لا محالة، بل ويعتبر أكثر سوءاً مما هو معلن.
وبما أن متغيرات كثيرة حدثت منذ انفصال دولة جنوب السودان 2011م ما غيّر عدد السكان ونسبة الريفيين والحضريين وأدّى إلى اختلال في موارد وإيرادات الدولة، بالإضافة إلى تغيّر في سعر الصرف، وفي أوزان القطاعات الاقتصادية، بجانب التغيّر في أنشطة السكان، وسبل كسب العيش، وأولويات مصروفهم. هذه المتغيرات أحدثت فروقاً كبيرة في نسب الفقر سواء على مستوى البلاد بشكل عام، أوعلى مستوى الولايات، وهذا أمرٌ دفع الجهاز المركزي للإحصاء إلى القيام بمسح قومي لميزانية الأسرة والفقر.
وقالت الدكتورة فاطمة أحمد فضل مدير مركز تنسيق مشروعات تخفيف الفقر بوزارة الضمان والتنمية الاجتماعية: إن قضية الفقر أضحت عالمية مجمع عليها، وتمثل أولوية لكل البلدان، إلا أنها رأت بوجود مبادرات مهدرة، وغير مرشدة، وتقول كل المبادرات السابقة لتخفيف حدة الفقر في السودان كانت مهدرة وغير مرشدة. ولكنها أكدت أن قضية الفقر متجذرة ومتقاطعة ومتشعبة، ناتجة عن عدم وجود تنمية، وفشل الاستقرار الاقتصادي، وترى أن الفقر متعدد الأبعاد، وصل إلى مرحلة فقر القدرات، مما يتطلب تكثيف الجهد في المناطق الأكثر فقراً بتوفير مشروعات حقيقية توفر سبل العيش الكريم.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء سلم نتائج مسوحات الفقر التي أجريت بدعم من بنك التنمية الأفريقي ومشاركة الجهاز الإحصائي النرويجي مؤخراً إلى وزارة المالية، التي رفضت إعلانها رسمياً بحجة وجود ملاحظات عليها، ولكن التقارير أشارت إلى ارتفاع نسبة الفقر إلى 48.5 % بدلاً عن 46.5 % في عام 2009م. وتعد نتائج هذا المسح هو الأول من نوعه بعد انفصال جنوب السودان، ويقول مختصون: إنها أظهرت ارتفاع مستوى الفقر في غالبية ولايات السودان. وبدأ المسح الأخير في 2014م وظهرت نتائجه في سبتمبر 2016 م.
الصيحة