الاحتياطي النقدي.. سرية تكشف عن انتهاء الرصيد

تفرض الحكومة سياجاً منيعاً فيما يتعلق بحجم الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية ببنك السودان المركزي، رغم أن بعض العارفين ببواطن الأمور يرون أنها لا تتجاوز الـ3 مليارات دولار . وللمرة الأولى وقبل ثلاثين عاماً من تولي النظام الحالي السلطة التي كشف فيها للمرة الأولى أنه لم يجد في خزينة الدولة سوى مائة ألف دولار، الأمر الذي وصفه الكثيرون بأنها أرادت به وصف النظام السابق بالفشل في تحقيق احتياطي نقدي من العملات الحرة.
كثيرون يقولون إن إحجام الحكومة عن الإفصاح عن حجم الاحتياطي نتيجة لقلة الأرصدة والموارد الموجودة، إضافة إلى غياب المعلومات الحقيقية عن الأمر بسبب الحاجة اليومية لتسيير دولاب الدولة رغم التوقعات التي تشير إلى وجود احتياطي مقدر.
ورغم السرية التي تتبعها الحكومة في عدم الكشف عن الحجم الموجود، إلا أن بعض الخبراء يرون أنه أمر إيجابي حتى لا يعطي ذلك إشارة سالبة للسوق الموازي وتجار العملة لاستغلال الأوضاع ويؤثر سلباً على مجمل الاقتصاد المحلي. ويعول بنك السودان المركزي على صادر الذهب وحصيلة الصادرات التقليدية “الصمغ العربي، الثروة الحيوانية”، وبعض المحصولات الأخرى بجانب تحويلات المغتربين، الأمر الذي اضطره لتعديل سياساته أكثر من مرة خلال عام واحد.
وهو ما جعل المركزي يصدر قرارًا بحصر تجارة الذهب شراء وبيعاً وتصديراً عبر بنك السودان المركزي، وفق ما صرح به محافظ البنك المركزي حازم عبد القادر.
وقال المحافظ عقب لقائه الرئيس عمر البشير إن المركزي سيشتري الذهب من مناطق الإنتاج، ويقوم بتصديره، وأي جهة ترغب في الذهب عليها شراؤه مباشرة من بنك السودان ممثلاً في مصفاة الذهب. وأضاف أن القرار سيزيد مشتريات البنك من الذهب الصادر، ومن ثم زيادة حجم النقد الأجنبي لدى الدولة مما ينعكس أثره على سعر الصرف، وفق لما أوردته وكالة سونا للأنباء.
وكان المركزي قد تراجع في نوفمبر الماضي عن قراره السابق بالسماح لشركات القطاع الخاص بتصدير الذهب ومنع شركات القطاع الخاص من شراء ذهب التعدين التقليدي ومن تصديره مستثنيا الشركات التي تمتلك امتيازاً في مجال التعدين، وسمح لها بتصدير 70% من إنتاجها على أن تبيع النسبة المتبقية لبنك السودان .
وعلى الرغم من اعتماد الحكومة على الذهب باعتباره أحد مصادر النقد الأجنبي إلا أنه أيضاً يعاني من التهريب عبر كافة المعابر من بينها مطار الخرطوم، وليس أدل على ذلك الكميات الكبيرة التي يتم التحفظ عليها وهي في طريقها إلى الخارج بجانب الولايات الحدودية وخير مثال على ذلك بولاية غرب دارفور .
ورغم إلزام البنك المركزي المصارف بصرف العملات بعملات البلاد المحولة منها نفسها للمغتربين باعتبار أن الخطوة تأتي وفق حزم تشجيعية لهم، ولكن يظل المغترب يشكو من عقم الإجراءات والتسهيلات المشجعة للتحويل عبر القنوات الرسمية وخلق استثمارات داخل البلاد.
وعلى الرغم من تضارب الأرقام فى تقديرات الأرقام ما بين 5-6 ملايين دولار إلا أن الأسعار التشجيعة التي أعلن عنها المركزي والحوافز التي قدمتها اصطدمت بتأثير السوق الموازي عليها بجانب البيروقراطية التي يشكو منها المغترب وعدم التزام البنوك بتلك المنشورات رغم الضمانة الكبيرة التي يمكن أن توفرها البنوك للمغتربين وزادت الحكومة على ذلك في سياساتها التحفيزية إلى فتح التمويل للمغتربين عبر البنوك لتحقيق تطلعاتهم في المجال العقاري والتعليم والسيارات. إلا أن مغتربين يرون أن تحويلاتهم تواجه بتحدي وجود حزمة سياسات اقتصادية متكاملة وحوافز حقيقية حتى يقوم المغتربون بتحويل أموالهم عبر المصارف.
وفيما يتعلق بحصائل الصادر، فقد شدد البنك المركزي في منشوره بإلزام المصدرين ببيع حصيلة الصادر بأسعار البنك المركزي التحفيزية. هذه الإجراءات حولت مسار كثير من الأوضاع وكشفت عن تعامل بعض البنوك مع تجار فيما يتعلق بالحصيلة وعدم توريدها إلى البنك المركزي الأمر الذي كشف عن قرارات لاحقة أسفرت عن إعفاء بعض مديري البنوك وقيادات مصرفية. ورغم تشديد البنك المركزي على مسألة الصادرات، فهي أيضاً تعانى من مشاكل متعددة في التسويق والإنتاج وسعر الصرف.
وبدأت مشكلة النقد الأجنبي في السودان تظهر منذ بدايات الأزمة المالية العالمية في يوليو عام 2008، بجانب انفصال الجنوب، إضافة إلى العقوبات الأميركية والتي فُرضت في 1997 وأثرت على التحويلات المصرفية من وإلى السودان.
كل تلك الأسباب قادت إلى شلل في قدرة الحكومة على مقابلة الالتزامات القائمة وتوفير السلع الضرورية التي تستوردها كلياً أو جزئياً مثل القمح والأدوية، كما أدت لانخفاض ملحوظ في الاستثمار الأجنبي المباشر بالبلاد والذي يغذي الاحتياطي النقدي للبلاد بالعملات الصعبة حيث بلغ حجم المنفذ منه في آخر إحصائيات رسمية لعام 2016 نحو 42 مليار دولار مقارنة بالمصدق والبالغ 68 مليار دولار.
وقالت مصادر رفضت ذكر اسمها إن آخر ارتفاع للاحتياطي النقدي بلغ 3.5 مليارات دولار بسبب الاستقرار الاقتصادي الذي شهدته ما قبل انفصال الجنوب، وأشارت إلى تراجع الاحتياطي الذي كان يكفي لقرابة 6 أشهر واردات، لخانة 3 أشهر، ثم تراجع مؤخراً بشكل كبير بفعل عدم الاستقرار الاقتصادي عامة وتذبذب سعر الصرف وتراجع الجنيه لأدنى مستوى له فضلاً عن ارتفاع التضخم وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
وطبقاً لبيانات صندوق النقد الدولي في أغسطس 2014، فإن الاحتياطي السوداني ‏بلغ بنهاية الربع الأول حوالي 267 مليون دولار، فيما توقع الصندوق نفسه حدوث انخفاض الاحتياطيات الأجنبية في الدول العربية بشكل عام بنسبة 5.6% إلى تريليون دولار مرجّحة زيادة احتياطي السودان من 900 مليون دولار في عام 2016 إلى مليار دولار في 2017.

الصيحة


إنضم للواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.