الخارجية وصفته بالمسيء لعلاقات البلدين .. (أبو عمر المصري) .. الإعلام المصري ينحني لعاصفة الخرطوم

انحنت قناة تلفازية مصرية أمام عاصفة ضغوطات سودانية وصلت حد استدعاء سفير القاهرة لدى الخرطوم، بحق عمل درامي رمضاني بعنوان (أبوعمر المصري)، انطوى على مشاهد اعتبرتها الخارجية السودانية مسيئة لعلاقات البلدين.
وقطع رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، مكرم محمد أحمد، بحذف مشاهد من المسلسل قائلاً (إن ما أثير بشأن ما جاء في مسلسل (أبو عمر المصري) من افتئات على السودان تم النظر فيه وتفنيده، وحذف ما قد يسيء لدولة السودان، مع العلم أن أحداث المسلسل واضحة ولم تتضمن أي إهانة أو اتهام للسودان الشقيق).
وعليه كدنا نشهد فاصلاً جديداً من التوتر بين (الخرطوم – القاهرة)، سببه مسلسل تلفزيوني، ولا تعد قارئ (الصيحة) الأغر ثانية للجملة الفائتة فقد قرأتها بشكل صحيح، إذْ عبر عدد من متتبعي الدراما التلفازية المصرية في رمضان من أبناء جلدتنا السودانيين، إلى مسلسل باسم (أبو عمر المصري) وينطوي على إساءات بالغة للسودانيين إذ يصفهم كأحد حواضن الإرهابيين العرب.
وما دفع إلى تصاعد الأحداث على نحو مثير، خروج المسألة من السياق الدرامي، ومن بطون (فيسبوك) إلى ردهات الدبلوماسية، حيث استدعت الخارجية السودانية السفير المصري لدى الخرطوم، مستبقة ذلك ببيان شديد اللهجة ضد العمل التلفزيوني، ووضع حد لمحاولات البعض إلى العبث بمصالح ومكتسبات البلدين الشقيقين، طبقاً للبيان.
تباين
على خلاف سنوات تصرمت، مدت فيها المسلسلات المصرية جسور التواصل مع السودان، جاء (أبو عمر المصري) مغايراً لكل ما سبقه، حيث يحاول المسلسل بوعي أو بدونه التكريس لصورة نمطية عن السوداني في المخيلة المصرية، كما ويرمي تحول الجار الجنوبي للمحروسة على أنه دولة حاضنة للجماعات الإرهابية الخارجة على الحكومة المصرية وحكومات إسلامية وعربية أخرى.
وكان مسلسل النجم يحيى الفخراني (الخواجة عبد القادر) قد انتصف للسودانيين وأظهرهم في قصة منتزعة من ثنايا الواقع بسمتهم السمح، وتصوفهم المعتدل. ومن قبله كان النجم الراحل خالد صالح (9 جامعة الدول) والذي ظهر فيه أحد انجاله عن أم سودانية بصورة زاهية نالت استحسان السودانة.
ولكن في المقابل هناك أعمال مصرية غاية في السوء عن السودان وأهله، في ظل وجود أعمال كثيرة تحاول تمصير مثلث (حلايب- شلاتين- ابورماد) المتنازع عليه بين البلدين، وتطالب الخرطوم بتحكيم دولي لحسم تبعيته.
فمثلاً قد أظهر مسلسل (صاحب السعادة) للنجم صاحب الذيوع في السودان، عادل إمام، وفيلم (الباشا تلميذ) لكريم عبد العزيز، مثلث حلايب كمنفىً ومحل عقاب للضباط المصريين.
في المقابل أنتج السودان مسلسل دراميًا إذاعيًا كتبه وأعد السيناريو خاصته الزميل بالصحيفة ورئيس قسم المنوعات معاوية السقا بعنوان (رمال وأصداف) ويختم على المثلث بختم السيادة السودانية.
معوق
صنفت الخارجية السودانية، مسلسل (أبو عمر المصري)، للنجم أحمد عز، على أنه مسيء لعلاقات البلدين. حيث صورت بعض مشاهده في بيئات مشابهة للسودان، واستخدمت في تنقلاته سيارات بلوحات سودانية، للإشارة إلى أن السودان أرض لتفريخ وإيواء الإرهابيين.
المفارقة أن ديباجة المسلسل تقول إنه عن تنظيم محامين للمدافعة عن المهمشين، فلم تقول الخارجية إن المسألة لا تعدو أن تكون محاولة لدس السم في الدسم.
طبقاً لبيان الخارجية الموقع باسم الناطق قريب الله الخضر، فإن المسلسل يعتبر تهديداً لحركة المواطنين بين البلدين المكفولة باتفاق الحريات الأربع، فهناك أكثر من (8) رحلات جوية يومية بين البلدين، وضعفها لمرات عبر البر وقدرتها الخارجية بـ (50) رحلة على متن الباصات السياحية نواحي الجارة الشمالية.
وقطعت الخارجية بأنه لم يثبت تورط أي من المصريين الموجودين في البلاد بأعمال تستهدف الأمن والاستقرار المصري انطلاقًا من الأراضي السودانية.
تأثيرات بالغة
ما الذي يريد أن يقوله مسلسل (أبو عمر المصري). سؤال توجهنا به إلى إيهاب حمدون، خريج كلية الدراما والمسرح بجامعة السودان.
حمدون قال لـ(الصيحة) إن التأثيرات التي تفرضها الدراما الخارطة الذهنية لدى المتتبعين أمر أكبر بكثير من الحروبات. مشيراً إلى أن الدراما ربما تكون سبباً في نشر السلم وقد تكون بوقًا للكراهية كما جرى في راديو راوندا الذي استخدم في التصفيات العرقية الفظيعة في حقبة التسعينات.
مشيراً إلى أن السودان ظل على الدوام في منطقة منخفض درامي، ومستقبل لما تبثه القاهرة مع صعوبات جمة في تحويل المسار ليكون مرسلاً ومستقبلاً. وقال إن المعالجات الدرامية المصرية لقضايا السودان كثيراً ما تتأثر بالأجواء السياسية، وفي السودان كانت الخرطوم قد توقفت عن بث الدراما المصرية عقب توتر علاقات البلدين منتصف التسعينات بعد محاولة اغتيال الرئيس المخلوع حسني مبارك في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا.
منظور دبلوماسي
من منظور دبلوماسي يحمل شذرات من السياسة، يرفض السفير الرشيد أبوشامة محاولات لوم الخارجية السودانية على إصدار بيان بشأن عمل تلفازي، وقال لـ (الصيحة) إن مصر احتجت قبل فترة وجيزة على نشر قناة (روسيا اليوم) استطلاعاً حول تبعية مثلث حلايب.
محذراً من أيادٍ خفية وراء الكواليس تستهدف تأليب الرأي المصري على السودانيين، لجهة حشد التأييد لمسألة مثلث حلايب، مستدلاً بتمرير الرقابة المسلسل المصري رغم ما تضمنه من إساءات لعلاقة البلدين.
وقال أبوشامة إن عدم اتخاذ مصر لخطوات جدية بشأن إيقاف المسلسل قد يمثل ضربة موجعة لجهود البلدين في نزع فتيل التوترات والتي عادة ما تبدأ من وسائل الإعلام.

الصيحة


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.