العالم الغني يحتاج لملايين المهاجرين بسبب الجائحة.. إليك الدول التي تفتح أبوابها والمهن المطلوبة
سودافاكس ـ المهاجرون من الدول النامية باتوا مطلوبين أكثر من أي وقت مضى منذ عقود، وذلك رغم موجات العداء للهجرة المستعرة في الغرب.
فبينما تشتد وتيرة نشاط الاقتصاد العالمي في خضم محاولة الأنظمة تنحية الجائحة جانباً، بدأت معركة على الشباب والقادرين. ومع تأشيرات السفر سريعة الإصدار والوعود بالإقامة الدائمة، فإن كثيراً من الدول الغنية التي تقود عملية التعافي تبعث برسالةٍ إلى المهاجرين ذوي المهارات حول العالم: المساعدة مطلوبة. وفي التو والحين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
ففي ألمانيا، حيث حذر المسؤولون من أن البلاد تحتاج إلى 400 ألف مهاجر جديد سنوياً لشغل وظائف تتراوح بين المجال الأكاديمي وتكييف الهواء، ولذا فإن قانون هجرةٍ جديداً يقدم تأشيرات عمل سريعة الإصدار وتأشيرات مدتها 6 أشهر للزيارة والعثور على وظيفة.
تخطط كندا لمنح الإقامة إلى 1.2 مليون مهاجر جديد بحلول عام 2023. وفي أستراليا، حيث تفتقر المناجم والمستشفيات إلى الأيدي العاملة بعد حوالي عامين من إغلاق الحدود، تنوي الحكومة أن تصل أعداد المهاجرين الذين تسمح لهم بدخول البلاد خلال العام القادم إلى الضعف تقريباً.
إليك المهن المطلوبة لسد النقص الذي حدث بسبب الجائحة
ولكن الحملة العالمية لجذب الأجانب ذوي المهارات، تركز خصوصاً على ذوي المهارات الذين يعملون وظائف تتطلب جهداً بدنياً والحاصلين على درجات الدكتوراه في مجالات الطب، تستهدف تيسير عملية الخروج المتخبطة من الجائحة.
دفعت اضطرابات كوفيد كثيراً من الناس للاستقالة أو التقاعد أو عدم العودة إلى العمل وحسب. لكن الآثار تضرب جذورها بعمق. فمن خلال الإبقاء على كثير من الأشخاص في المكان، جعلت الجائحة الاختلال الديموغرافي للبشرية أكثر وضوحاً؛ إذ إن البلاد الغنية التي تشيخ بسرعة تنتج عدداً قليلاً جداً من العمال، في حين أن البلاد التي لديها فائض في فئة الشباب تفتقر إلى العمل من الأساس.
يمكن للنُهُج الجديدة في التعامل مع هذا النمط من عدم التطابق، أن تؤثر على الجدال العالمي المتعلق بالهجرة. لا تزال الحكومات الأوروبية منقسمة حول طريقة معالجة الموجات الجديدة من طالبي اللجوء.
ففي الولايات المتحدة، لا تزال سياسة الهجرة عالقة غالباً عند نفس النقطة، مع التركيز على الحدود المكسيكية، حيث وصلت اعتقالات المهاجرين إلى مستويات قياسية. لكن كثيراً من البلاد تؤسس برامج أكثر تطوراً وفاعلية وسخاءً من أجل إحضار الأجانب ومساعدتهم كي يصيروا جزءاً دائماً من مجتمعاتها.
قال جان كريستوف دومون، رئيس إدارة الهجرة الدولية في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: “يعد كوفيد مُسرّعاً للتغيير. توجَّب على البلاد إدراك أهمية الهجرة والمهاجرين”.
منافسة على الرحالة الرقميين
أدت الجائحة إلى تغييرات رئيسية عديدة في التنقل العالمي. فقد أبطأت هجرة العمل. وخلقت المزيد من المنافسة لـ”الرحالة الرقميين”، في ظل أن أكثر من 30 دولة، بما فيها باربادوس والإمارات وكرواتيا، أسست برامج لجذب العاملين في مجال تكنولوجيا المحمول. وأدت هذه البرامج إلى تيسير قواعد عمل الأجانب، الذين انتقلوا فعلياً.
منحت كثير من البلاد، بما فيها بلجيكا وفنلندا واليونان، حقوق العمل إلى الأجانب الذين وصلوا بتأشيرات طلابية أو بتأشيرات أخرى. ومدّت بلاد أخرى، مثل نيوزيلندا، مدة التأشيرات المؤقتة إلى أجل غير مسمى، بينما سرعت ألمانيا، عبر قانون الهجرة الجديد الخاص بها، عملية الاعتراف بمؤهلات المهنيين الأجانب.
اليابان تتخلى عن فوبيا الهجرة ودول تعامل المهاجرين كمواطنين
وفي اليابان، وهي دولة تشيخ بسرعة طالما قاومت الهجرة، سمحت الحكومة للعمال المؤقتين بتغيير الشركات التي يعملون معها والإبقاء على وضعهم في البلاد.
ترقى هذه التحركات- التي ذُكرت في تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول توقعات الهجرة العالمية- إلى أن تكون تحذيرات مبكرة ليأس سوق العمل. ويبدو أن المخاوف الإنسانية تتحد مع انعدام اليقين الإداري، وهو ما يطرح معه كثيراً التساؤلات: كيف ستُنفَّذ قواعد الهجرة خلال جائحة تحدث مرة كل قرن؟ وكيف ستنجو الشركات والموظفون؟
قال دومون: “حول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ترى بلاداً تعامل السكان المهاجرين بنفس طريقة معاملة بقية السكان”.
المهاجرون يقدمون لبريطانيا درساً قاسياً
عندما حان وقت استئناف النشاط، بدا أن قليلاً من الناس يكترثون بأن مستويات الهجرة انخفضت، حسبما أظهر استبيان في بريطانيا في وقت سابق من هذا العام. ثم جاء نقص الأيدي العاملة. بدءاً من الجزارين، مروراً بالسائقين والميكانيكيين ووصولاً إلى الممرضين، بل حتى أطقم المطاعم، يبدو أن جميع دول العالم المتقدم ليس لديها ما يكفي من العاملين في هذه المهن وفي هذه المجالات.
في الدول صاحبة الأنظمة الاقتصادية المتقدمة، تتضمن تدابير الهجرة المستخدمة تخفيف العوائق أمام دخول المهاجرين المؤهلين وإصدار التأشيرات الرقمية لتقليل مراجعة الأوراق، وزيادة المتطلبات المتعلقة بالرواتب للحد من الاستغلال والحد من تقليص الأجور، والتعهد بتيسير طريقة للإقامة الدائمة بالنسبة للعمال الذين تشتد الحاجة إليهم.
المهاجرون
عمال مهاجرون يجنون العنب في بريطانيا/رويترز
لعل أحد التحولات الأشد حدة موجودة في اليابان، حيث ثمة قنبلة ديموغرافية موقوتة جعلت مبيعات الحفاضات للبالغين أكثر من مبيعات الحفاضات للرضع. بعد تقديم مسارات قبل عامين للإقامة من أجل أعمال رعاية كبار السن، ومن أجل عمال الزراعة والبناء، قال مسؤول ياباني في الأسبوع الماضي إن الحكومة كانت تفكر كذلك في السماح للعمال الآخرين الذين يحملون تأشيرة لمدة خمس سنوات، بالبقاء إلى أجل غير مسمى وإحضار عائلاتهم.
أما البلاد التي يهاجر المهاجرون منها، فإن الانفتاح الموسع أمام هجرة المهرة يشكل خطر استنزاف الكفاءات، لكنه يقدم كذلك صمام تنفيس بالنسبة للشباب والمحبطين.
الشباب الألماني يبتعد عن العمل المهني لصالح الجامعات
هناك بلاد مثل ألمانيا تتوق إلى الترحيب بهؤلاء؛ إذ إن نظامها المهني المتفاخر، الذي يتطلب شهادات صارمة وحضور التدريبات أثناء العمل، يفتقر إلى الأيدي العاملة بشدة.
قال هولجر بونين، مدير البحوث في معهد اقتصاديات العمل (IZA) بمدينة بون: “خلال جائحة فيروس كورونا، انهار النظام حقاً. لقد شهدنا أقل عدد من عقود التدريب المهني منذ توحيد ألمانيا”.
يفضل الشباب الألماني الدراسة في الجامعات، وتتقلص القوة العاملة في البلاد. بحسب دراسة نُشرت مؤخراً عن طريق المعهد الاقتصادي الألماني، سوف تفقد ألمانيا 5 ملايين عامل في السنوات الـ15 القادمة، وسوف يصل العدد إلى 3.2 مليون عامل بحلول عام 2030.
صار المهاجرون حلاً مؤقتاً. منذ 3 سنوات، عاش في ألمانيا حوالي 1.8 مليون شخص من جماعات اللاجئين. ومع مرور الوقت، حاولت البلاد تطوير الطريقة التي تدمج بها كلاً من طالبي اللجوء والأجانب الذين يحملون تأشيرات عمل.
واللاجئون يسدون النقص
في صباح أحد الأيام مؤخراً، كان حوالي 100 متدرب ينتشرون في أروقة بناية مكونة من 5 طوابق في منطقة سكنية هادئة، تعود إلى مركز تدريب إقليمي في دورتموند بالقرب من الحدود الهولندية الألمانية، يحمل اسم Bildungskreis Handwerk. داخل الصفوف الدراسية ومساحات العمل، تعلم هؤلاء كيف يصيرون مصففي شعر محترفين، وكهربائيين، ونجارين، ولحّامين، ونقاشين، وميكانيكيي مواقع تشييد، ومشغلي ماكينات القطع، ومهندسي حراسة.
تُغطَّى تكاليف البرامج التي تستغرق 24 إلى 28 شهراً عن طريق مكتب التوظيف الخاص بالحكومة المحلية، الذي يدفع كذلك مصروفات الشقق والمعيشة لهؤلاء. من أجل الانضمام إلى البرنامج، يتوجب على المرشحين الحصول على دورة في اللغة والاندماج في البداية، وتمولها كذلك الحكومة الألمانية.
وصل سيرغي ليسينيوك، 40 عاماً، إلى ألمانيا من مولدوفا في 2015، وبدأ التدريب ليصير ميكانيكي مواقع تشييد، وهو ما سيجلب له قريباً عملاً مستقراً وأجراً كبيراً. وقال: “إننا أشبه قليلاً بالأطباء. الأطباء يساعدون الناس، ونحن نساعد المباني”.
برغم المكاسب التي حققها بعض العمال والتي حققتها بعض المواقع، يجادل خبراء الاقتصاد والسكان بأن فجوات سوق العمل سوف تبقى وتتسع، في ظل أن الجائحة كشفت عن حجم ما نحتاج إنجازه لإدارة اختلال عالمي لا يضرب السكان فحسب، بل يضرب التنمية كذلك.
ثمة سؤال ربما يسير مثل تيار المياه البارد أسفل الترحاب الحار الجديد: ماذا إذا لم يكن هناك عدد كاف من العمال المؤهلين الراغبين في الانتقال؟
قال دومون: “إننا نسمع نفس الشيء في كل مكان. إذا كنت تريد جذب عمال جدد، تحتاج أن تعرض عليهم ظروفاً جذابة”.
عربي بوست