زهير السراج يكتب : خمرة السلطة!
- مع كل يوم يمر تتسع هوة الخلاف بين (البرهان وحميدتي)، وهو في حقيقة الامر صراع شخصي على السلطة، كما ذكرتُ قبل بضعة أيام، وليس خلافا على موضوع دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة أو نقل السلطة الى المدنيين كما يحاول الطرفان تلوين الموضوع لاخفاء السبب الحقيقي وهو التطلع الى كرسي السلطة مدفوعين بطموحهما الشخصي وإرادة حلفائهما في الداخل والخارج الذين لن يتخلوا عن السلطة لحماية مصالحهم حتى لو تخلى البرهان وحميدتي عنها، وهو ما يمكن أن يجر البلاد الى صراع مسلح ظللنا نحذر منه طيلة السنوات الماضية ولو كان للحليفين السابقين (والعدوين الحاليين) أدنى رغبة في تحقيق المصلحة العليا للبلاد لاجتهدا في اصلاح المنظومة العسكرية ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وترك السلطة للمدنيين وليس الانقلاب عليهم في 25 اكتوبر، 2021!
ولكن لأن كلا منهما كان ولا يزال يسعى لتحقيق طموحاته الشخصية، ظل الوضع داخل الجيش والدعم السريع كما كان عليه قبل سقوط النظام البائد، بل إن البرهان اصدر مرسوما دستوريا بتاريخ 30 يوليو 2019 (عندما كان رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي) بإلغاء المادة (5 ) من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 التي كانت تضع قوات الدعم السريع تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة في حالة الطوارئ أو الحرب او صدور قرار من القائد الاعلى (رئيس الجمهورية) ــ وما عدا ذلك كانت تتمتع بالاستقلالية الكاملة عن القوات المسلحة وتخضع مباشرة لإمرة رئيس الجمهورية ــ فألغى البرهان المادة 5 ومنح الدعم السريع الاستقلالية الكاملة، فلماذا يتحدث كل يوم الآن وبعض قيادات الجيش عن دمج قوات الدعم السريع في الجيش وربطه بانتقال السلطة الى حكومة مدنية وهو حديث القصد منه شراء الوقت وتعطيل تنفيذ الاتفاق الاطاري للإمساك بالسلطة اطول وقت ممكن في انتظار ما يسفر عنه المستقبل.
كما أن الهدف من حديث (حميدتي) عن الديمقراطية ونقل السلطة الى المدنيين، ليس حبا في الديمقراطية او المدنيين وانما إزاحة الجيش والبرهان عن السلطة ليخلو له الجو ويصبح الرجل الأول في الدولة ويحمي مصالحه ومصالح حلفائه الإقليميين والدوليين، وهو ما لن يسمح به الطرف الآخر لذلك تشتعل الحرب الكلامية بين الإثنين هذه الايام والتسابق نحو التسليح وزيادة القوة العددية للقوات ..إلخ، استعدادا لما يمكن ان يحدث في المستقبل القريب، أما دمج الدعم السريع في الجيش والتغزل في الديمقراطية فهما مجرد ذر للرماد في العيون لإخفاء الاسباب الحقيقية !
عشرات المقالات كتبتها طيلة السنوات مطالبا بدمج الدعم السريع في الجيش بدون أن يسمع أو ينصت أحد، أحدها مقال تحت عنوان (أمارة آل حمدان) بتاريخ ( 11 ديسمبر، 2020 )، هذا بعض ما جاء فيه:
- ماذا يمكن ان يحدث وما هو المصير الذى ينتظر السودان إذا انتهى شهر العسل بين القائد العام للقوات المسلحة وقائد قوات الدعم السريع، وحدث بينهما خلاف أدى الى استخدام القوة؟!
- كثيرا ما يراودني هذا السؤال مع استمرار الوضع الشاذ لقوات الدعم السريع الذى يعطيها الاستقلالية الكاملة عن القوات المسلحة بموجب قانون قوات الدعم السريع لعام 2017، ويضعها تحت إمرة القائد الأعلى للقوات المسلحة مباشرة (رئيس الجمهورية سابقاً، ومجلس السيادة حالياً) وليس القائد العام، إلا في حالة الطوارئ أو الحرب في مناطق العمليات العسكرية، أو صدور قرار من القائد الأعلى بضمها للجيش، حسب نص المادة (5 ) من قانون قوات الدعم السريع لعام 2017 الذي أفتت وزارة العدل في مذكرة ضافية بتاريخ 23 أكتوبر، 2016 بعدم دستوريته، إلا أن رأيها لم يُؤخذ به! .
- ما عدا تلك الحالات الثلاث (الطوارئ والحرب وصدور قرار من القائد الاعلى)، تظل قوات الدعم السريع مستقلة تمام الاستقلال عن القوات المسلحة وخاضعة لقانون قوات الدعم السريع وليس قانون القوات المسلحة ما يعني وجود جيشين في البلاد، وهو وضع خطر يمكن أن تترتب عليه أوضاع خطيرة في أي وقت إذا حدث خلاف بين قائدها والقائد العام للجيش، خاصة مع قوة التسليح وضخامة الموارد ومصادر التجنيد المفتوحة التي تتمتع بها قوات الدعم السري (إنتهى)!
- الآن يتحدث الجميع عن دمج الدعم السريع في الجيش بمن في ذلك (حميدتي) نفسه قائد قوات الدعم السريع الذي كان يرفض ذلك الحديث رفضا مطلقا ويعتبره تهديدا لوحدة السودان وهو من شارك في الانقلاب على الديمقراطية ثم صار يتغزل فيها، فهل وعى البعض الآن بأن الدولة المحترمة لا يكون فيها جيشان وعرف البعض الآخر حلاوة الديمقراطية، أم أن خمرة السلطة وخوف طرف من ابتعادها عنها وحلم الآخر من اقترابها منها جعل الكل في حالة هذيان لا يدري ماذا يقول ؟!
صحيفة الجريدة