الشاعرة روضة الحاج تكتب: إلى من خانوا البلاد
إلى من خانوا البلاد
بلا تحية
وأما قبل:
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا يُضايقُكُم
أن نكونَ بخير؟
وأن نتمشَّى حفاةً على شاطىءِ النيلِ ليلاً
وأن نشرب الشاي (برمكةً) وغناء
وأن ترقصَ الأمهاتُ بأعراسِنا
في توادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا تظلَّونَ خلفَ حكاياتِنا كامنين
وأبطالِنا
خلفَ أحلامِنا
خلف آمالِنا
بالأكاذيبِ واليأسِ
والمستحيلاتِ
حتى تحيلوا خواتيمَها لرمادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا كذبتم على كلِّ شيء
وعكرتمو صفوَ كلِّ البيوتِ
وطاردتمو الطيرَ في الفلواتِ
وقُدتُم إلى الموتِ أولادَنا
وتخيَّرتُم الرائعينَ الجميلينَ حتى يموتوا
وسِرتم على دمِهم في انتشاءْ
تكيلونَ ذات الأكاذيبِ ثم تُهيلونها
فوقَ كلِّ المدائنِ
كلِّ البوادي
وكلِّ الصحاري
وكلِّ الوهادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لقد خلقَ اللهُ أنقى العبادِ هنا
في بلادي
وأكثرَهم رأفةً بالحياةِ وبالناسِ
أكثرَهم كرماً
رقةً واحتراما
ولكنَّهم أكثرُ الناسِ بطشاً
إذا اختُبروا في مرؤاءتِهم
فكأنْ قد تلبَّسهم ماردٌ
شدةً واعتدادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا قسوتم على حلمِ أهلي البسيطينَ جداً
على صبرِهِم
وزهاداتِهم
ورضاهم بهذا القليلِ القليل
فأقصى أمانيهمو
أن يزوروا النبيَّ
وأقصى مسرَّاتِهم
ضحكةٌ من نقاءٍ إذا اجتمعوا في (العصاري)
وسجادةٌ للصلاةِ
وسقفٌ يقيهم من الشمسِ والزمهريرْ
أهذا كثيرٌ عليهم؟
أجيبوا عليَّ
أهذا كثيرْ؟
وهم أجملُ الناسِ
قد خفَّفوا حملهم في الحياةِ
وساروا خفافاً
إلى موتِهم دونَ زادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا تهينونَ أجدادَكم
في مقابرِهم بالهراء
وترمون كلَّ تراثِ الحيياتِ في سلةِ المهملات
تبيعون (سحارة) الراحلاتِ
حليهن زيّنها العاجُ والتبرُ والودعُ
والعطرُ يا أيها الأدعياء
بكم يا ترى كان هذا العقوقُ
وهذا الفجورُ
وهذا الفسادْ
لماذا ترى تكرهون البلاد؟
أيُزعجُكُم أن يُغنِّي الحمامُ على دورِنا؟
أتُرى تكرهونَ السواقي إذا عزفتْ لحنَها للحياة؟
ألا تعشقونَ غناءَ الطيورِ على شجرِ النيمِ في الفجرِ؟
هل تُبغضونَ الحرازَ
خصومتَه للمطر؟
ألم تطربوا معنا للغناءِ
الأماديحِ
شدوِ الصغارِ ب (نحن) صباحاً
بسوحِ مدارسِهم
هل ترى تكرهونَ القرى
والبيوتَ الأليفةَ ما كدَّرت صفوَها شائباتُ الحياةْ؟
أيُزعجُكُم ضحكُ شيخٍ يقصُّ لأحفادِه
ما تبقَّى من الذكرياتِ
ويضحكُ
حتى تضجَّ الحياةُ بكل الذي حوله
فكأنْ ليس في الأرض شيئاً جمادْ!
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لماذا نحرتم صباحاتِنا؟
ولماذا قتلتم نهاراتِنا
ولماذا صلبتم مساءاتِنا
ولماذا عمدتم إلى حقلِنا فاجتثثتم
سنابلَه وهي نيئةٌ
قبل وقتِ الحصادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
لقد أنجبتَكُم
لقد أرضعتْكُم
لقد هدهدتكُم
وباهتْ بكم
إنها أمُّكم أيُّها الأشقياءْ
أتأتمرونَ على أُمِّكم؟؟
وتبيعونَها في مزادِ السبايا
فتعساً لكم
ثم تعساً لكم
ثم تعساً لكم وله من مزادْ!
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
خذوا ما تريدونَ من ذهبٍ لا يساوي الكثيرَ
أمام مرؤاتنا
كبرياء أرومتنا
ودعوا وطناً
لم يكن قبل أن تغدروا هيناً
أو ذليلاً
وما كان يوماً مهيضاً كسيراً
وما كان والله سهل القيادْ
لماذا ترى تكرهون البلادْ؟
لقد كان أسلافنا سادةً
ورجالاً
مضوا نحو موت يليق بأمثالهم
ثابتين
لكي يكتبوا مجدنا
بالدماءِ الطهورةِ والعطرِ والكبرياءِ المهيبِ
فأكرم به من كريم المدادْ
لماذا ترى تكرهون البلادٌ؟
أما حملتكم بأحشائِها ألفَ عامْ؟
أما أرضعتكُم حليبَ الشموسِ
وهزَّت مهودَ طفولتِكم في سلامْ؟
و(تاتت) خُطاكم بأفيائِها
ثم مدَّت لكم أرضَها فركضتم
وظلَّت تُلقِّنُ أفواهَكم
من فصيحِ الكلامْ؟
فكيف تبيعونها
وبكم؟
أليس بكم ذرةٌ من رشادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
سيلعنُكُم كلُّ شيءٍ هنا
سيلعنُكُم كلُّ قبرٍ هنا
ستلعنُكُم كلُّ أنهارِنا
وشواطئنا
والطيورُ الأليفةُ في عالياتِ الغصونِ
ستلعنُكم هذه الأرضُ
أحجارُها
وستلعنُكُم كلُّ أشجارِها
وستلعنُكُم كلُّ أثمارِها
والعذارى اللواتي طُعنَّ بنصلِ تآمرِكم مرَّتين
اليتامي
الثكالى
الصغارُ
الكبارُ
سيلعنُكُم كلُّ شيءٍ
ولن تجدوا أبداً مبتغاكم
ولن تستطيعوا
فنحن هنا مثل أشجارِنا واقفون
ونحن هنا مثل أجبالِنا ثابتون
ونحن هنا مثل أنهارِنا سطوةً وعنادْ
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟
أُبشِّركُم
سوف نبقى
ليومِ القيامةِ
حتى يُنادي إلى البعثِ فينا وفيكم منادْ
سنسألُكُم وقتَها
حين تُنصبُ تلك الموازينُ بالعدلِ
واللهُ في عرشِه جل سبحانه
لتجيبوا
لماذا تُرى تكرهونَ البلادْ؟