حيدر المكاشفي: يا خيبة أمل أم الشهيد

لشاعرنا الفذ عاطف خيري قصيدة باسم احتشاد محتشدة بالشجن، كان قد أبدع في غنائها مطربنا الفذ – عليه الرحمة – مصطفى سيد أحمد، ويقول أحد مقاطع القصيدة: “ﻭﻣﺎﺑﻴﻦ ﺃﻗﺎﺑﻠﻚ ﻭﻣﺸﺘﻬﻴﻚ ﻭﺟيت ﻋﻠﻴﻚ.. ﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪي ﻟﻴﻚ ﺑﺲ ﻧﺤﻦّ.. ﻭﺍﻟﺠﺮﺡ ﺍﻟﺜﺮﻯ ﻭﺧﻴﺒﺔ ﺃﻣﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ”، كما قالوا قديمًا: “إذا أردت أن تقتل موضوعًا كوّن له لجنة من الرسميين”، وأكثر اللجان الرسمية قتلًا للمواضيع وتمييعًا للقضايا لجان التحقيق التي يوكل إليها التحقيق حول أحداث مأساوية ودموية راحت ضحيتها أنفس عزيزة، وأكثر الأحداث دموية ومأساوية طمرتها وطمست حقائقها لجان التحقيق، أحداث بورتسودان المؤسفة والمحزنة التي راح بسببها نيف وعشرون نفسًا عزيزة، وأحداث العيلفون التي سقط بسببها عشرات الطلاب من منسوبي الخدمة الإلزامية غرقًا في النيل، وفي كجبار بالشمالية، والعوج بالنيل الأبيض وغيرها وغيرها من الأحداث الشبيهة التي سقط فيها ضحايا..
وأمس السبت وعلى طريقة (عدي من وشك)؛ خيبت لجنة التحقيق في قضية فض الاعتصام أمل أمهات الشهداء في العدالة والقصاص، كما أنها – مثل سابقاتها – عمدت إلى قتل القضية، فقد نفت اللجنة وقوع حالات اغتصاب، كما لم تشر لا تصريحًا ولا تلميحًا لأعداد المفقودين، وكان طبيعيا أن تعلن قوى الحرية والتغيير رفضها للنتائج التي خرج بها تقرير اللجنة، فرغم فداحة الفقد ومقدار الحزن الذي عمَّ أهل السودان قاطبة، والغبن الذي شعروا به، وخاصة أهل الضحايا، ورغم هذا الفقد الكبير الذي تجاوز مئة نفس عزيزة، والألم المرير على فقدهم بتلك الطريقة البشعة، إلا أن لجنة تحقيق النيابة العامة التي قيل إنها كونت للتحقيق في هذه الحادثة الأليمة المفزعة لم تخرج على الناس بالحقيقة الكاملة، ولم تقل شيئًا غير أنها أعادت ذكرى هذه الحادثة الدموية البشعة.
ولم توضح للناس لماذا سقطت كل هذه الأعداد وبأية وسيلة، ومن أصدر التعليمات العليا وكيف يمكن جبر الخواطر وتهدئة النفوس التي لم ولن تهدأ ولن تنسى مهما تطاول الوقت ومرت السنون، فمثل هذه القضايا لا تنسى ولا تنمحي من الذاكرة خاصة إذا وجدت التجاهل ولم تعالج آثارها وتضمد جراحها.. وحادثة فض الاعتصام المفجعة لم تفعل فيها هذه اللجنة شيئًا غير أنها قتلتها، ولم تفت طريقة (مخارجة) اللجنة لنفسها من القضية بأي كلام والسلام على فطنة الجمهور فأصبحت مثارًا للتندر وكانت بمثابة سخرية يتهكم بها الناس على عدم الجدية ( والغطغطة) على نهج: (خلوها مستورة).
وضياع المصداقية، فقد أعاد تقريرها إلى الذاكرة معضلة قديمة اسمها لجان التحقيق الرسمية التي رغم كثرتها إلا أنها كانت وستظل كغثاء السيل ما لم تكن هناك جدية عند تكوينها واختيار المؤهلين الشجعان لعضويتها، وإعلان نتائجها بكل شفافية ومن ثم امتلاك الإرادة الحقيقية لمحاسبة ومحاكمة من تسببوا في الخطأ أو ارتكبوا الكارثة. ويبقى العزاء في لجنة التحقيق المستقلة التي تم التوافق على تشكيلها عند تشكيل مؤسسات الفترة الانتقالية، أما هذا التقرير الذي لا يساوى ثمن الحبر الذي كتب به فليموصوه ويشربوا مويتو..
الجريدة



