من مقاعد الحافلة.. حكايات لم يروها أصحابها..

الحافلة هي ليست عبارة عن وسيلة للمُواصلات فقط، هي مكان يجتمع فيه الناس كافّة باختلاف أعمارهم وسُحناتهم ومُستوياتهم الفكريّة، إلا أنّّهم عندما يَستقلون الحافلة، تبدو هُمُومهم كأنّها واحدة، يتجادلون في أمورهم التي تجمعهم بعيداً عن زحمة الحياة التي أَخذت وبدّلت الكثيرين منهم، رغم ذلك فإنّهم وجدوا مِسَاحةً يَستطيعون من خلالها أن يبوحوا بما فيهم من أفراحٍ وأحزانٍ ويفتحون باب الاستغراب للتّطوُّرات التي طرأت على أشياء مرّت بهم، بينما يلجأ بعضهم إلى الصمت الذي يغلب على حالة استفهاماتهم الكثيرة ذلك دُون تَدخُّل صاحب الحافلة أو “الكمساري” وما يُحيط خلف ملامحهم التي غَطّ عليها الغبار، بجانب درجات الحرارة العالية ولسع البرد…
(1)

بعد أن تَحرّكت الحافلة بدقائق، بدأ رجل سبعيني الحديث عن مواقف المجلس السيادي التي أصبحت رمادية في حَزم بعد الأمور، مُضيفاً أنّ المواكب تمثل (لكزاً) للمجلس، حيث تحرّك حمدوك وبدأ في تشكيل لجنة تحقيق مُستقلة للتقصي في أحداث مجزرة فض اعتصام القيادة، الأمر الذي يراه السبعيني من فوائد المواكب، فيما أضاف أحد الركاب أنّ الثورة ما زالت (نَيّة) كَمَا وصفها، مُستحضراً فيديو مُوَظّفي السدود التابع للنظام البائد، حيث قاموا بضرب وطرد المدير الجديد الذي عيّنه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وقال: (لن تسقط بعد)!!
(2)

رجلٌ ستينيٌّ يحمل حقيبة بين جنبيه وهاتفاً في يده، يُدقِّق النظر إليه ويحاول أن يقرأ بنظارته “المكسروة” عند يدها الأيمن، وبعد مسافة ليست بالطويلة قال: “أحمد إزيك.. أخبارك”؟! وبعدها يضحك “والله أنا طلعت من المدرسة هسي قلت أمشي أفحص عُيُوني لأنّو لي أكتر من سنتين مَا مَشيت.. هسي كتبوا لي قطرة ونظارتين وإنت عارف مرتب المُعلِّمين في البلد دي كيف؟! بالله عليك لازم تدعم أخوك بـ2800 جنيه”.. وبعدها أردف حديثه بنكتةٍ طريفةٍ عن إمام جامع تحدّث لمصلين بطريقة غير مُباشرة عن وضعه، إلا أنّهم لم يهتموا به، وعند انصرافه قابله “سَكران” وقال له “مالك يا شيخ؟” فحكى له حاله، وأخرج “المخمور” من جيبه (5) آلاف وبعدها (10) آلاف أخرى، فقال للإمام بشرط أن تسأل الله تعالى لي الهداية من “السُّكر”.. فردّ الإمام “الله ما يهديك عشان تقبل لي زي المَجانين الجوّه ديل” وبعدها انفرط مُعظم الركاب في الضحك لأنه كان يحكي بصوت عالٍ!!
(3)

فتاة عشرينية، نثرت عبيرها قبل دخولها الحافلة، يبدو أنّها حَديثة الزواج، جلست فبادلت أُخرى النظرات، وقالت: عبير.. فرّدت عليها أسيل.. بعدها تصافحتا ومن هنا بدأت حديثهما.. فقالت صديقتها: (ما شاء الله يا أسيل متين اتزوجتي؟) فردت: لي خمسة شهور.. فسألتها صديقتها (ما بقيتو تلاتة؟) فضحكت وبعدها ردّت عليها: (أبيخ سؤال يُواجه به الزوجان بعد العرس)!!
(4)

توقّفت الحافلة بالقرب من مستشفى رويال كير.. رجل كبير في السن.. شَقّ الجموع الذين كانوا ينتظرون قدوم المُواصلات.. “دافس” إلى أن فاز بمقعدٍ، وبعد أن جلس بدأ في الحديث عن البلد بقت “مطلوقة” وليس لديها رئيس.. مُضيفاً: “حمدوك بتاعكم دا بقى غير السفر ما عندو شُغل.. خليهو يقعد في الواطة دي ويعرف البينا عشان يحرِّك في علاجه!!”.. تدخل رجل آخر قائلاً: البلد تنقصها القوانين لذلك لا يبالي السائقين ما يفعلونه من تقسيم الخُطوط لأكثر من خطٍ لمنفعتهم دُون مُراعاه للمُواطن البسيط، الذي في أغلب الحالات لا يستطيع أن يدفع أكثر من “30” جنيهاً في كل مشوار!!!

نقلا عن : صحيفة السوداني




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.