البنك الزراعي.. فساد معلن وإبادة جماعية

بقلم مزمل أبو القاسم

  • في الثامن من شهر يونيو الماضي نشرت (اليوم التالي) تحقيقاً استقصائياً كشفت فيه النقاب عن تجاوز فاضح، وفساد قبيح، حدث إثر إقدام البنك الزراعي السوداني على تسليم منظمة طوعية باسم (المنبر الوطني للسلام والتعايش السلمي وتنمية المجتمع) كميات مقدرة من تقاوى زهرة عباد الشمس (منتهية الصلاحية)، كانت مخزنة في فرع البنك الزراعي بمدينة ربك، حاضرة ولاية النيل الأبيض.

  • تم تقديم الطلب الغريب ابتداءً إلى وكيل وزارة الزراعة الاتحادية (عبد القادر تركاوي).. الذي خاطب إدارة البنك الزراعي طالباً منها التصديق بكميات بذرة عباد الشمس إلى (منسوبيهم) في المنبر المذكور.

  • لم نعرف حتى اللحظة ماذا قصد وكيل وزارة الزراعة بكلمة (منسوبينا) الواردة في خطابه الموجه إلى البنك الزراعي.. لذلك نسأله: (من أنتم)؟
  • المنظمة التي تعمل في مجال الترويج للسلام زعمت أنها ستستخدم تقاوى عباد الشمس (منتهية الصلاحية ومعالجة كيميائياً) في مكافحة الحشرات أثناء فصل الخريف، وادعت أنها تمتلك خبرات في ذلك المجال.. ولا ندري حتى اللحظة ما علاقة العمل الطوعي في مجال السلام بمكافحة الحشرات؟
  • تسربت البذور التالفة لاحقاً إلى السوق، ببيعها إلى أحد مصانع الزيوت في مدينة الخرطوم بحري، كي تعصر وتتحول إلى زيوت وتباع إلى الناس وتنشر بينهم المرض والموت.
  • شك صاحب المصنع في الشحنة ودقق في أوراقها، واكتشف أنها فاسدة ولا تصلح للاستخدام الآدمي، فبادر بفتح بلاغ جنائي في نيابة الخرطوم بحري، وتم التحفظ على الشحنة، وإلقاء القبض على حاملها، لكن الإجراءات توقفت عند ذلك الحد.
  • عندما نشرت (اليوم التالي) تلك المعلومات الصادمة لاذ مسئولو وزارة الزراعة والبنك الزراعي بالصمت التام، ورفضوا التعليق على القضية، ولم يصدر عنهم أي توضيح أو تصريح يفسر للناس مسببات إقدامهم على إهداء بذور فاسدة ومنتهية الصلاحية لمنظمة لا تمتلك أي صلة بالزراعة ولا مكافحة الحشرات!!
  • في اليوم الذي نشرت فيه الصحيفة التحقيق هاتفني أحد القياديين في البنك الزراعي، محاولاً تفسير الفضيحة وتبرير التجاوز القبيح، فسألته: هذا التعليق للنشر؟ أجاب بالنفي، وقال إنه يرغب في تجاذب أطراف الحديث حول الموضوع، فذكرت له أنني لا أمتلك وقتاً فائضاً أهدره في (الونسة الفارغة)، وأرغب في تعليق رسمي، أو رد مكتوب من البنك الزراعي على تلك الكارثة، ولم يحدث ذلك حتى الساعة.
  • المصيبة تكررت بإقدام المنبر المذكور أعلاه على مخاطبة إدارة البنك الزراعي، طالباً منحه كميات أخرى من تقاوى القمح وبذرة القطن (فاسدة ومنتهية الصلاحية)، كانت مخزنة بفرع البنك الزراعي السوداني في مدينة ربك، لتثور أسئلة أخرى، عن الجهة التي تتطوع بإخطار المنبر بالكميات الموجودة من التقاوي التالفة داخل مخازن البنك الزراعي، وما إذا كانت الكميات المطلوبة قد وصلت إلى المنبر وتسربت منه إلى مطاحن الغلال أو مصانع الزيوت كما حدث لبذرة عباد الشمس أم لا.
  • قبل أيام من الآن نشرت (اليوم التالي) تحقيقاً آخر، اتصل بتجاوز جديد للبنك الزراعي، الذي خاطب مجموعة من الشركات العاملة في مجال الأسمدة طالباً منها مده بعروض أسعار لكميات مقدرة من السماد (مائة ألف طن من اليويا، وخمسين ألف طن من الداب).
  • انحصرت المدة المطلوبة لتقديم عروض الأسعار في خمسة أيام فقط، تخللها يومان للإجازة الرسمية (من 23 إلى 28 يونيو)!
  • ذلك يعني أن المهلة المحددة لتقديم العروض الخاصة بسلعة تبلغ قيمتها حوالي خمسين مليون دولار انحصرت في ثلاثة أيام عمل لا غير!
  • تدخلت وزارة المالية لإيقاف الصفقة المريبة، ووجهت إدارة البنك الزراعي باحترام قانون الشراء والتعاقد إجراء عطاء (عالمي) لشراء الكميات المطلوبة من السماد.
  • برغم صدور القرار الواضح والملزم والممهور بتوقيع وكيلة وزارة المالية أمنة أبكر عبد الرسول، ومع تمام علم إدارة البنك الزراعي به، وبرغم تعنيف الوكيلة لهم، أقدمت إدارة البنك الزراعي على نشر إعلان مدفوع القيمة في عدد من الصحف اليومية، ادعت فيه أنها حصلت على موافقة وزارة المالية على الإجراء!!
  • السلوك المذكور أعلاه لم يكن استثناءً عند إدارة البنك الزراعي، لأنها درجت على إجراء معظم مناقصاتها المحدودة، وعروض الشراء الخاصة بها بالطريقة نفسها.
  • خطاب يصدر في آخر الأسبوع، بمهلة زمنية قصيرة، يتخللها يومان للإجازة!!
  • يوم 2 أبريل الماضي أجرى البنك الزراعي السوداني مناقصة محدودة لشراء (30) ألف بالة من الخيش، وألزم الشركات المختارة بتسليم عروضها بحد أقصاه يوم 8 من الشهر نفسه!
  • التاريخ الذي أعلنت فيه المناقصة المحدودة صادف يوم الخميس!
  • ذلك يعني أن الفترة المحددة للمناقصة انحصرت في أربعة أيام عمل!
  • ذلك إذا افترضنا أن البنك الزراعي أفلح في إخطار كل الشركات المستهدفة بالمناقصة فور صدور الخطاب، علماً أن المناقصة جرت في عز أيام الحظر والإغلاق بسبب الكورونا، وفي مستهل شهر رمضان المعظم.
  • يوم (الأربعاء) 22 أبريل الماضي أجرى البنك الزراعي السوداني مناقصة محدودة بالطريقة نفسها لشراء (50 ألف طن من اليوريا و25 ألف طن داب)، وكالعادة انحصرت فترة تقديم العروض في خمسة أيام.
  • وكالعادة أيضاً صادفت المناقصة المحدودة آخر الأسبوع، بدخول يومي الإجازة في منتصف المدة المحددة لتلقي العروض، لتنحصر مدة المناقصة في ثلاثة أيام عمل لا غير!
  • تبلغ قيمة السلع المراد شراؤها عشرات الملايين من الدولارات، مثلما حدث في المناقصة الأخيرة، التي يصل ثمنها التقديري إلى حوالي خمسين مليون دولار!
  • بهذه الطريقة الغريبة والمريبة، وبهذا النهج العشوائي المخالف لنصوص قانون الشراء والتعاقد يتم شراء سلع استراتيجية غالية الثمن، ليمر الأمر مرور الكرام كل مرة!
  • السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، يتعلق بمسببات اهتمام البنك الزراعي بشراء السماد الموجود في مخازن الشركات داخل البلاد، لماذا يفعل ذلك؟
  • الطبيعي أن يهتم البنك باستيراد الكميات الناقصة من الخارج، ليضمن توافر السماد اللازم لإنجاح الموسم الزراعي، لأن الشركات المستوردة ستبيع سمادها للمزارعين، فلماذا يدخل البنك كمشترٍ له؟
  • ما الغرض من تلك الممارسة الغريبة؟
  • هل يرغب البنك في التربح منها، على حساب المزارعين، وعلى أنقاض الأهداف التي تم إنشاؤه لتحقيقها؟
  • لماذا يهدر أمواله في الشراء بالكاش من الشركات المحظوظة، ومن يتربحون منها ويتسترون خلفها؟
  • ما الذي يمنعه من إجراء عطاءات عالمية لشراء الأسمدة وبقية مدخلات الإنتاج، كي ينال أفضلية في الأسعار، وتسهيلات في السداد، تصل في الغالب إلى عام؟
  • مطلوب من السيد رئيس الوزراء، والسيد وزير المالية والنائب العام التدخل للتحقيق في المخالفات المتكررة، والمناقصات المريبة التي تحدث في البنك الزراعي السوداني منذ فترة، ومحاسبة من يقفون وراءها، ويتعمدون مخالفة القوانين المنظمة للشراء والتعاقد كل مرة.
  • نتوقع من النائب العام أن يوجه نيابة الخرطوم بحري بضبط وإحضار كل من سهلوا للمنبر الوطني للسلام والتعايش السلمي الحصول على بذور تالفة ومعالجة كيمائياً ومنتهية الصلاحية، تسربت إلى السوق بغرض بيعها إلى مصنع للزيوت، بما يشبه جريمة (الإبادة الجماعية).
  • التحقيق ينبغي أن يشمل وكيل وزارة الزراعة الاتحادية، ومدير البنك الزراعي السوداني وكل من شاركوا في تسهيل وصول البذور الفاسدة إلى المنبر المريب، ومنه إلى أحد مصانع الزيوت.
  • المؤلم حقاً أن كل التجاوزات المتشابهة والمتكررة حدثت في البنك الزراعي السوداني بعد نجاح الثورة، بفساد جديد يزدري دماء شبابنا، ويهين شعارات الثورة المجيدة، وأولها شعار (سلمية سلمية.. ضد الحرامية)!
  • سقطت الإنقاذ، وتغيرت معها إدارات معظم مؤسسات الدولة، لكن عقلية الفساد التي تدير بعض تلك المؤسسات بطريقة المافيا (لم تسقط بعد)!




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.