الضائقة المعيشية “قنبلة موقوتة”مواطنون يستغيثون وخبراء يحذرون من الانهيار

مجمد سعيد حلفاوي، يضع البائع في متجر يقع جنوب العاصمة السودانية واحد كيلو غرامًا من اللحوم الحمراء على كيس التعبئة ويبيعه بسعر (800)جنيه، نفس هذه الكمية كانت تباع العام الماضي في نفس التوقيت بسعر (350)جنيهًا.

عمقت الأزمة الاقتصادية من معاناة الطبقات المتوسطة والفقيرة في السودان فأصبحت المقارنة هي التي تسود بين الأسعار سابقًا وحاليًا وبدا واضحًا صعود السخط الشعبي على الأزمة وفي بعض الأحيان على الحكومة الانتقالية.

وأدى غلاء الأسعار إلى ركود في الأسواق خاصة السلع الاستهلاكية حيث يشكو مواطنون من الأسعار الجنونية التي تفوق قدرتهم الشرائية بدءً من الألبان إلى اللحوم والخضروات والتي تزداد أسعارها أسبوعيا أو يوميًا.

وذكرت هويدا عبد الله وهي ربة منزل في تصريح لـ(التغيير الالكترونية) أثناء شرائها للخضروات بسوق صغير في حي الصحافة بالخرطوم أن الأسعار تزداد يوميا مشيرةً إلى أنها : “اشترت حزمة جرجير بسعر 50 جنيهًا والباذنجان بسعر 120 جنيهًا”.

وقالت : “نجد صعوبة بالغة في شراء الألبان والأجبان وأحيانا نقلص الكمية لأنها مرتفعة، نحن لا نستطيع مجاراة الأسعار هذا أمر مقلق بالنسبة لنا نحن ربات البيوت، فتكلفة طهي الطعام تفوق قدراتنا”.

وتفقد العملة المحلية قيمتها بشكل متسارع في السودان وتضع أزمة سعر الصرف الحكومة الانتقالية التي تبرر ذلك بأنها وجدت خزانة فارغة من النظام البائد تضع الحكومة أمام خيارات ضئيلة أفضلها زيادة أسعار الوقود حيث طبقتها مرتين خلال هذا العام بين شهري فبراير وأكتوبر مؤكدةً أنها ماضية في هيكلة الاقتصاد بخروجها من دعم السلع الأساسية.

بينما يقول اقتصاديون أنه لايمكن أن تترك الحكومة المواطن أمام ضربات القطاع الخاص في بلد يقبع فيه 77% من نسبة السكان في دائرة الفقر.

ويتوقع المحلل الاقتصادي وائل فهمي تدهور الأوضاع الاقتصادية، وقال إن الحكومة الانتقالية والمجموعة الاقتصادية التي تدير الاقتصاد حاليًا تعمل على رفع القطاع الخاص للهيمنة على النشاط الاقتصادي.

وتابع : “أنا لا اتحدث من منطلق اشتراكي، لكن لابد من اتاحة الفرصة للقطاع العام خاصة في مجال الصحة والتعليم والنقل، الحكومة ضربت بهذه القطاعات عرض الحائط برمي الكروت الاقتصادية برمتها على القطاع الخاص”.

ورجح فهمي لجوء الحكومة إلى زيادة أسعار الوقود والكهرباء والدقيق والخدمات مجددًا لأن الأسعار تدور في حلقة دائرية ترتد إلى الحكومة نفسها وتضطر إلى رفع الدعم وهكذا تدور في حلقة مفرغة.

وأضاف : “الحل هو فرض ضرائب على الأثرياء والإصلاحات الضريبية ومنع استيراد السيارات والسلع الكمالية واتاحة الفرصة للقطاع العام”.

وأشار إلى أن تنبؤات صندوق النقد الدولي سوداوية حول الاقتصاد السوداني حيث توقعت تدهور مؤشرات النمو الاقتصادي لأن الحكومة لا تحصل على قرض لحماية الشبكة الاجتماعية من زيادة أسعار السلع الأساسية.

وتابع : “الأسباب الرئيسية لعدم حصول الحكومة على قروض من صندوق النقد هي المتأخرات وبقاء اسم السودان في قائمة الإرهاب”.

وتوقع المحلل الاقتصادي وائل فهمي عدم مساندة المجتمع الدولي للحكومة الانتقالية اقتصاديًا لأنهم يقولون إن الوضع يحتاج إلى هيكلة ملموسة وإصلاحات قضائية وتأهيل لقطاع المصارف واتخاذ قرارات جريئة من حكومة حمدوك .

وأردف : “الوضع حاليًا انتقل إلى أزمة سياسية بين شركاء الفترة الانتقالية في تبادل اللوم حول تدهور الوضع الاقتصادي ما يهدد التحول الديمقراطي والحكومة لا تسمع سوى صدى صوتها”.

خلفية:

يعاني الاقتصاد السوداني من مشاكل هيكلية، وتفاقمت أزماته بعد انفصال جنوب السودان الغني بالنفط عام 2011م وفقدان البلاد لثلاثة أرباع عائدات البترول.

ويحمل خبراء اقتصاديون حكومة النظام البائد بقيادة الرئيس المخلوع عمر البشير مسؤولية “الانهيار الاقتصادي” بسبب اعتمادها الكبير على عائدات تصدير النفط وتبنيها لسياسات مالية واقتصادية أدت إلى تدمير القطاعات المنتجة( الانتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، والصناعي) وتخفيضها لمعدلات الإنفاق على الصحة والتعليم مما أدى لتدهور مستمر في مؤشرات التنمية البشرية.

ويقدر خبراء عائدات تصدير النفط السوداني بتسعين مليار دولار تم تبديدها في الإنفاق السياسي والإداري والأمني والاستهلاكي مع اهمال متعمد للانتاج

وتصنف منظمة الشفافية الدولية السودان ضمن الدول الأكثر فسادا في العالم خلال تقريرها السنوي”مؤشر مدركات الفساد”

معضلات أمام الحكومة الانتقالية:

أعلن رئيس الوزراء الانتقالي حاجة السودان لضخ ثمانية مليار دولار في اقتصاده ليحقق استقرارا في سعر الصرف ولكنه لم يحصل على ذلك وكل المؤتمرات الدولية التي انعقدت لدعم السودان اقتصاديا بعد ثورة ديسمبر التي أطاحت بالنظام الاسلامي بقيادة عمر البشير لم توفر سوى نسبة قليلة جدا من هذا المبلغ

ويعجز السودان عن الحصول على تمويل مباشر من المؤسسات الدولية وعن جذب استثمارات كبيرة بسبب مديونيته العالية التي بلغت أكثر من 60 مليار دولار.

ويأمل السودان في إعفاء هذا الدين عبر الاستفادة من مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون” HIBIC” إلا ان ذلك رهين لتطبيق الحكومة لوصفة صندوق النقد الدولي وأبرز ملامحها رفع الدعم عن الوقود والقمح والكهرباء وتعويم العملة الوطنية الأمر الذي ستترتب عليه كلفة اجتماعية وسياسية باهظة إذ انه سيؤدي الى ارتفاع كبير جدا في كل الأسعار في بلد يعيش غالبية سكانه تحت خط الفقر.

وتنقسم القوى السياسية المساندة للحكومة الانتقالية حول رفع الدعم بين مؤيد ومعارض، وحتى المؤيدين يرون ان رفع الدعم يجب ان يكون مصحوبا بتمويل شبكة أمان اجتماعي للفقراء تكلف سنويا على الأقل ملياري دولار تصرف على الدعم النقدي المباشر للأسر الفقيرة وهذا المبلغ غير متوفر حتى الآن.

وبدأت الحكومة الانتقالية عمليا في رفع الدعم عن الوقود وتبعا لذلك ارتفعت أسعار السلع والخدمات فيما يتوقع مراقبون رفعا كليا للدعم عن الوقود والقمح خلال الفترة الانتقالية.

يذكر ان الولايات المتحدة الأمريكية قررت رفع السودان عن قائمة الدول الراعية للإرهاب في أكتوبر 2020 وسوف يكون القرار نافذا 10 ديسمبر 2020 الأمر الذي تعول عليه حكومة السودان في تحقيق اختراقات اقتصادية إلا أن خبراء اقصاديين أكدوا ان البلاد لن تستفيد من تحسن العلاقات مع المجتمع الدولي إلا بعد إصلاحات داخلية في القوانين والقضاء والقطاع المصرفي، وقرارات سياسية تضع حدا لسيطرة القطاع العسكري والأمني على مفاصل الاقتصاد عبر شركات غير خاضعة لسلطة وزارة المالية.

وحذر المجلس الأوروبي للسياسات الخارجية في تقرير نشر في يونيو 2020 عن الحكومة الانتقالية في السودان من أن تقاعس الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوروبي عن دعم الحكومة المدنية اقتصاديا يمكن ان يقود الى هيمنة العسكر الذين يتمتعون بإمكانات اقتصادية كبيرة ودعم اقليمي مقارنة بالمدنيين.

التغيير نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.