سودافاكس ـ «كان يكفي أن ترى المطار لتحترم هيبة الدولة»، بهذه العبارة القوية الرصينة عبّر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عن شعوره الأول حين نزل في مطار لندن عام 1959 حين زارها برفقة والده طيب الذكر المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم للقاء رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان لإقناعه بحقّ دبي في إنشاء مطار خاص بها بعد اتساع حركة النشاط التجاري وعدم كفاية مطار الشارقة لاستيعاب إيقاع الحياة الجديدة، لتبدأ بعد ذلك رحلة التصميم على إنشاء مطار في دبيّ يتفوق على المطار الإنجليزي الأشهر في العالم، مطار هيثرو، وليتحقق هذا الحلم بعد سنوات قلائل من قيام الاتحاد، ولتكون عشر سنوات من 1971 – 1981 كفيلة بتحقيق هذا الحلم الكبير الذي سيكون أحد معالم دبي الكبرى، ورمزاً من رموز النشاط الحضاري في هذه المدينة التي تجاوزت كل التوقعات في حركة التنمية وإنجاز ما يشبه المستحيل.
في القصة رقم (35) التي تحمل عنوان «الوجهة دبيّ» من كتاب صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد (قصتي: 50 قصة في خمسين عاماً)، يتكلم سموه عن التفاصيل المثيرة لتحقيق هذا الحلم الكبير، وكيف أنّ ذلك قد تمّ من خلال قرارات في غاية الجرأة والوضوح والتصميم على أن تكون دبيّ هي وجهة العالم الحديث، بسبب موقعها الفريد بين القارات، من خلال تبنّي سياسة الأجواء المفتوحة لتمكين أي شركة طيران من تسيير رحلة طيران من وإلى دبيّ، مع حملة تسويق ضخمة وبناء فنادق وإقامة فعاليات عالمية مثل سباق دبي العالمي للخيل، وتمّ إنشاء سوق حرة عالمية في مطار دبيّ يحتل مركزاً متقدماً بين نظائره من الأسواق الحرة، حتى إذا وصلنا إلى العام 2014 خرجت الصحف البريطانية بخبر استثنائي تؤكد فيه أن مطار دبيّ قد تفوّق على مطار هيثرو في عدد المسافرين الدوليين، لتكون ردّة فعل صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد على هذا الخبر هي تحريك اللسان بالشكر والتسبيح قائلاً: «سبحان الله، سبحان الله».
إلى هنا فإن سياق القصة قد تمت كتابته من وجهة النظر الوطنية، لكنّ قصة مطار دبيّ ستزداد جاذبية وتأثيراً عميقاً حين تأتي الرواية من طرف آخر بعيد، لا سيّما إذا كان من الشخصيات العالمية التي تعني ما تقول وتترفع عن المجاملات الفارغة، ففي وثيقة سرية للغاية تمّ الكشف عنها مؤخراً متعلقة برئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر الموصوفة بلقب «المرأة الحديدية» أثناء زيارة لها إلى مطار دبيّ عام 1981، واستقبال المغفور له الشيخ راشد بن سعيد لها، حيث أبدت إعجابها الشديد بما وصل إليه المطار من مستوى التنظيم في الوقت الذي تشعر فيه بالإحباط من مستوى مطار هيثرو، الذي لم يتحسن مستواه منذ مدة طويلة وتراجع عن مكانته الدولية كواحد من أفضل المطارات العالمية، مبديةً نوعاً من الدهشة والاستغراب حين تساءلت: كيف لشابٍّ لم يبلغ الثلاثين من العمر، هو صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، أن يحقّق كل هذه الإنجازات بفضل إشرافه المباشر على خطة تطوير المطار، في الوقت الذي تقف فيه حكومة بريطانيا وإدارة مطار هيثرو عاجزة عن حلّ مشكلات المطار المتفاقمة، على الرغم مما تمتلكه من الخبرات الإدارية والإمكانات المالية، مؤكّدة أن المطار هو الذي يعطي الانطباع الأول عن الدولة وقدراتها التنظيمية، وأنه يتوجب على وزارة النقل فوراً إعداد خطة لتحسين عمل المطار لأنه قد وصل إلى مرحلة لا تُحتمل من السوء، وأنّ على إدارة المطار أن تتعلم من مطار دبيّ لتحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها.
لقد لخّص صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد وبلغة مفعمة بالعزيمة والتواضع كل هذه الحكاية اللامعة لمطار دبي بقوله معبراً عن دهشته الأولى حين رأى مطار هيثرو في زيارته الأولى للندن عام 1959: «لا أدري لماذا ارتبطت حركة المطار النشطة في ذهني منذ ذلك الحين بقوة الدولة أو المدينة التي يمثلها، المطار يمثّل الواجهة، ويمثل القوة، ويمثل التجارة، ويمثل رغبة الملايين لزيارة هذه المدينة… نحن اليوم هنا لنحاول بناء مطارنا في دبيّ، هل سيكون في يوم من الأيام كمطار لندن، لم أكن أعرف ماذا تخبّئ الأيام لي ولدبيّ، ولكني كنت أعرف شيئاً واحداً: لسنا أقلّ من الآخرين»، وتحققت أحلام الفتى المسكون بالفروسية والمجد، وحققت دبيّ مكانتها الرائعة بين مدن العالم بفضل تفاصيلها المدهشة، والتي كان المطار واحداً من أروع قصصها مع صناعة التنمية المتقدمة، وليختم صاحب السموّ هذه القصة المثيرة بقوله تعليقاً على مسيرة المطار: «المستحيل وجهة نظر، والعالم يفتح الأبواب لمن يعرف ما يريد».
البيان