تبين أن فقدان الكروموسوم “واي” [يضم جسم الإنسان مجموعة من 23 زوجاً من الكروموسومات، يختص إثنان منهما بالمواصفات الجنسية، هما “واي” للصفات الذكرية و”إكس للأنثوية] في خلايا الدم لدى الرجال مع تقدمهم في العمر يؤدي إلى خلل في وظائف القلب والوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية، وذلك وفق دراسة حديثة ربما تقود إلى علاجات جديدة لأمراض القلب.
تذكيراً، وجدت بحوث سابقة في هذا المجال أن الرجال في المتوسط يفارقون الحياة قبل النساء بسنوات عدة، ومرد ذلك إلى علاقة تربط بين التلاشي التدريجي لأعداد الكروموسوم “واي” في خلايا الدم البيضاء التي تشكل جزءاً من الجهاز المناعي، إضافة إلى ارتفاع خطر الإصابة بأمراض عدة من قبيل السرطان وآلزهايمر وغيرهما.
نشرت الدراسة الجديدة في مجلة “ساينس”Science ، وقد وجدت أن الرجال الذين يخسرون الكروموسوم “واي”، علماً أن هذه الحالة الصحية تسمى “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” mosaic Loss Of Y (اختصاراًmLOY )، الموجود في خلايا دمهم البيضاء، يرتفع لديهم أيضاً خطر الوفاة نتيجة أمراض القلب التي تعد السبب الأكثر شيوعاً للوفيات.
واستطراداً، يرى باحثون من بينهم علماء من “جامعة أوبسالا” السويدية، أنه لم يكن معروفاً قبل الآن إذا كان “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” من خلايا الدم البيضاء يتدخل مباشرة بظهور أمراض في أعضاء أخرى في الجسم.
وفق كينيث والش من “جامعة فيرجينيا” في الولايات المتحدة، وهو أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، “أن “الحمض النووي الريبوزي منقوص الأوكسيجين” (اختصاراً “دي أن أي”DNA) الموجود في نواة كل خلية من خلايا جسمنا يشهد لا محالة طفرات جينية [تحورات في المعلومات الوراثية] دائمة لا تنفك تتراكم مع تقدمنا في العمر، من بينها التلاشي التام للكروموسوم “واي” ضمن مجموعة فرعية من الخلايا في أجسام الرجال. إن النظر إلى الجسم نفسه بوصفه فسيفساء من الطفرات المكتسبة يعطي مفاتيح لفهم أمراض مرتبطة بالعمر وعملية الشيخوخة في حد ذاتها”.
في الدراسة الجديدة استخدم العلماء تقنية المقص الجيني “كريسبر” Crispr [تمكن هذه التقنية من قص مجموعة محددة من الجينات وفصلها عن السلاسل الجينية التي تكون الجينوم. ويكون ممكناً لصق تلك المجموعة في جينوم آخر، أو التخلص منها] من أجل إدخال تعديلات على الجينات لدى فئران وجعلها تعاني عمداً من مرض “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي”.
في النتيجة، وجد الباحثون أن “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” ترك ضرراً مباشراً في الأعضاء الداخلية لتلك القوارض، وأن الفئران التي عانت “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي”، عاشت مدة أقصر بالمقارنة مع نظيراتها التي لم تشبها هذه الحالة.
ووفق لارس فورسبيرغ من “جامعة أوبسالا”، باحث مشارك في الدراسة مسؤول عن نماذج الفئران المستخدمة في الدراسة، “لقد أزلنا الكروموسوم “واي” كي نحاكي حالة “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” لدى البشر ثم حللنا النتائج المباشرة التي طرحها هذا الإجراء. حينما فحصت الفئران التي تعاني “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي”، تبين أنها تعاني من وجود كميات متراكمة من الندوب في عضلة القلب، ويسمى تليف عضلة القلب في إشارة إلى أن الندوب تتكون من ألياف جامدة، تحل بديلة من نسيج عضلة القلب نفسها”. وأشار الدكتور فورسبيرغ إلى أن “مرض فقدان فسيفساء الكروموسوم واي، يسبب تراكم التليف في عضلة القلب ما يؤدي إلى تدهور أداء وظائف القلب”.
اقرأ المزيد
جينات الوالدين تتصارع على تغذية الجنين في الرحم
دراسة جديدة تفيد بأن جينات وراثية بدائية أنقذت بعض مصابي كورونا
خطة بريطانية لتعديل جينات المواشي كي تزيد غلتها من اللحم والحليب
كروموزومات الإنسان أثقل مما ينبغي والسبب مجهول
لقاح كورونا جمع علوم الأوبئة والجينات والسرطان والمناعة للمرة الأولى
إناث الدببة قد تختار أوكارا بالقرب من البشر لإبعاد خطر الذكور عنها
وإذ عقد الباحثون مقارنة بين التأثير الملحوظ الذي خلفه فقدان الكروموسوم واي لدى الفئران من جهة وبين دراسات مماثلة على البشر من جهة أخرى، تبين لهم أن “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” عامل خطورة جديد وبارز يتهدد الرجال بالوفاة نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية.
واستكمالاً، لقد اعتمدت هذه الدراسة على عقد مقارنات [بين المعطيات المختلفة للظاهرة التي تتناولها] بالتالي لجأت إلى تفحص بيانات مستقاة من “البنك الحيوي في المملكة المتحدة”UK Biobank . ويشكل ذلك البنك قاعدة بيانات تحتوي على معلومات جينومية وصحية مستمدة من نصف مليون شخص متقدم في السن تراوحت أعمارهم في بداية الدراسة بين 40 و70 سنة.
في بداية الدراسة التي استغرقت نحو 11 عاماً من المتابعة وجد العلماء أن الرجال المصابين بـ”فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” في خلايا الدم كانوا أكثر عرضة بـ30 في المئة تقريباً للوفاة جراء قصور القلب وأنواع أخرى من أمراض القلب والأوعية الدموية.
ووفق الدكتور فورسبيرغ، “كذلك وجدنا أن الذكور الذين يحملون نسبة أكبر من خلايا الدم البيضاء التي يشوبها “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” معرضون أكثر للوفاة نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية. وتتوافق هذه الملاحظة مع النتائج المستخلصة من نموذج الفئران، وتشير إلى أن “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” يترك تأثيراً فيسيولوجياً مباشراً أيضاً لدى البشر”.
بالتالي تشير الدراسة إلى أن “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” في نوع معين من خلايا الدم البيضاء في أنسجة القلب لدى الفئران تسمى “خلايا مناعية قلبية ملتهمة” [يعني أنها تلتهم الميكروبات والمكونات الخارجية التي قد تحدث أمراضاً متنوعة في عضلة القلب]، يحفز مساراً جينياً يؤدي إلى تفاقم تليف عضلة القلب.
كذلك تقدم الدراسة للمرة الأولى وصفاً للآلية التي يتوسلها “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” في الدم لإصابة أعضاء أخرى في الجسم بالأمراض، وتحدد أيضاً علاجاً محتملاً لها.
مثلاً حينما أغلق الباحثون المسار الجيني المذكور آنفاً تمكنوا من عكس مسار التغيرات المرضية في القلب الناجمة عن “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي”.
في هذا السياق، يشرح الدكتور لارس فورسبيرغ أن “العلاقة بين “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” وتليف عضلة القلب مثيرة جداً للاهتمام، لا سيما بالنسبة إلى الاستراتيجيات الجديدة المعتمدة في علاج حالات قصور القلب والتليف الرئوي وبعض السرطانات الناشئة التي تهدف إلى الحؤول دون حدوث تليف عضلة القلب. ومن شأن الرجال الذين يعانون “فقدان فسيفساء الكروموسوم واي” أن يشكلوا مجموعة من المرضى الذين يستجيبون بشكل جيد لمثل هذا العلاج”.
وأضاف الدكتور والش أن “الدراسات التي تتناول فقدان الكروموسوم “واي” وغيرها من طفرات مكتسبة أخرى في الجسم تبشر بتطوير أدوية مصممة خصيصاً لعلاج تلك الطفرات المحددة”.
إندبندنت