طلاب الصومال العائدون من السودان.. مستقبل غامض (تقرير)

لم تقتصر تداعيات الحرب المشتعلة في السودان على حدوده الجغرافية فقط، بل تعدت وعبرت إلى دول أخرى مثل الصومال الذي تربطه بالسودان علاقات ثقافية واجتماعية وتاريخية تمتد إلى آلاف السنين.

​​​​​​​الطلاب الصوماليون، الذين فروا من الحرب في السودان، كانوا يعتقدون أن ذلك السبيل الوحيد للابتعاد عن تداعياتها، لكنهم وجدوا أنفسهم أمام تحديات من نوع آخر في بلدهم الأم.

كحال الكثير من الطلاب الأجانب الذين قذفت بهم الحرب خارج أسوار الحرم الجامعي، يواجه مئات الطلبة الصوماليين، الذين كانوا يدرسون في الجامعات السودانية، مستقبلا تعليميا غامضا، وبات الهم الأكبر بالنسبة لهم استكمال دراستهم الجامعية في بلدهم الذي لا تتوفر فيه بعض التخصصات الجامعية.

السودان، الذي يعد البلد الأكثر استقبالا للطلبة الصوماليين منذ تسعينات القرن الماضي، يعيش حاليا في حالة حرب يرثى لها ولا يعرف أحد نهايتها، ليترك الطلبة الصوماليون تحت رحمة تحديات جمة، قد تحول دون تحقيق أحلامهم.

  • مستقبل مجهول

عاد مئات من الطلبة إلى البلاد، بعد أن أوقفت عجلة التعليم في السودان نتيجة الحرب المشتعلة.

عودة لا تخلو من قلق كبير حيال مصيرهم التعليمي، نظرا للعقبات الكثيرة المتمثلة في عدم تطابق المنهج الدراسي في الجامعات السودانية مع نظيرتها الصومالية.

يقول جابر طاهر عرب، طالب في كلية الإعلام والسياسة في جامعة إفريقيا العالمية بالخرطوم، “القلق يساور جميع الطلبة الصوماليين بسبب ضيق الخيارات أمام استكمال مسيرتهم التعليمية”.

وبصوت يائس، اعتبر “عرب”، في حديث مع الأناضول، أنه “لا أمل يلوح في الأفق لاستتاب الأمن في السودان، واستئناف الدراسة في الجامعات”.

ولفت إلى أن تخرجه من الجامعة يفصله ثلاثة أشهر فقط، ولا رغبة لديه حاليا في الالتحاق بالجامعات المحلية.

“عرب”، أشار إلى أن “هناك إعلان من الجامعة يشكل لنا بصيص أمل حول استئناف الدراسة عبر التعليم عن بعد، لكنها لم تحدد توقيتا معينا”.

وتابع أنه يفكر في البحث عن فرصة تعليم بالخارج لاستكمال ما تبقى من دراسته الجامعية، والخروج من هذا المأزق الذي يخيم على مستقبله.

وعن المعاناة ذاتها يتحدث عمر عبد القادر، عن ضبابية مستقبله التعليمي، قائلا إن “إغلاق الجامعات بسبب التطورات الأمنية في السودان ترك لنا آثارا سلبية في نفوسنا، وأدخل مستقبلنا في نفق مظلم”.

واعتبر عبد القادر، في حديثه للأناضول، أن الحرب أجهضت حلم التخرج والحصول على الشهادة الذي كان ينتظره طوال أعوام، ما يشكل عقبة أمام دخوله في سوق العمل أو تسجيله في الماجستير.

عبد القادر، الذي يدرس تخصص “دراسات الكوارث والأمن الإنساني” في جامعة إفريقيا العالمية ، يرى أن الأمل الوحيد بالنسبة له، أن تستتب الأوضاع الأمنية في السودان، وتستأنف الجامعات عملها من جديد.

ـ طمأنة حكومية

دشنت وزارة التربية والتعليم الصومالية مكتبا خاصا للشؤون الطلبة، الذين كانوا يدرسون في الجامعات السودانية، تمهيدا لترتيب شؤونهم وسجلهم الجامعي للانخراط في الجامعة الوطنية والأهلية في البلاد.

وقال وزير التربية والتعليم فارح شيخ عبد القادر، في تصريح صحفي، إن الوزارة تشعر بالقلق حول مستقبل الطلاب العائدين من السودان.

وأشار الوزير إلى أن الوزارة ستتابع ملفات هؤلاء الطلاب لتوفر لهم فرصة مواصلة دراستهم الجامعية.

وأضاف أن الوزارة ستتخذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على مستقبل الطلاب الصوماليين العائدين من السودان، وتمكينهم من اللحاق بالجامعات المحلية حتى لا يتوقف قطارهم التعليمي.

وتابع كما ستعمل الوزارة للتواصل مع الجامعات السودانية عبر السفارة الصومالية لدى الخرطوم، للحصول على الأوراق المطلوبة لكل طالب.

ـ عدم توفر الوثائق للطلبة

إلا أن هذه الطمأنة الحكومية لا تبدو كافية بالنسبة لعائشة إدريس، التي تدرس تخصص التنمية والإرشاد الريفي في جامعة أحفاد السودانية.

وتقول عائشة، للأناضول، إن “الطمأنة الحكومية قد لا تجد طريقها للتنفيذ قريبا، بسبب الإجراءات (البيروقراطية) وعدم توفر الأوراق أو الكشوفات لدى الكثير من الطلبة، والتي تثبت مستواهم الجامعي، ما يعيق تطلعاتنا للالتحاق بالجامعات المحلية”.

وتوضح أن معاناتهم لا تقتصر على حاجتهم للالتحاق بالجامعات المحلية، وإنما أيضا مشكلة تباين مناهج الدراسة بين الجامعات الصومالية ونظيرتها السودانية.

وأضافت أن لغة التدريس مختلفة أيضا، وعدم توفر بعض التخصصات في الجامعات المحلية، ما يعني أنهم على موعد آخر من التحديات في حال التحقوا بالجامعات المحلية.

جدير بالذكر أن معظم جامعات الصومال تتبنى التدريس بالإنجليزية، بينما يغلب التدريس باللغة العربية على الجامعات السودانية.

بينما قال نائب السفير الصومالي لدى السودان أحمد عبدي حسن، للأناضول، إن السفارة تعمل مع وزارة التربية والتعليم الصومالية من أجل مساعدة الطلاب العائدين من السودان لمواصلة تعليمهم.

وأشار الدبلوماسي الصومالي إلى أن “السفارة تتابع عن كثب الأحداث الأمنية في السودان، والهدنة التي توصلت إليها الأطراف المتقاتلة، وستعمل على التواصل مع الجامعات السودانية من أجل توفير الأوراق المطلوبة للطلاب ما يضمن استمرار رحلتهم التعليمية”.

ـ تخصصات غير متوفرة

تخصصات كثيرة قد لا تتوفر في الجامعات المحلية، بسبب غياب الكوادر ونقص المختبرات العلمية ما يدفع الطلاب الراغبين في هذه التخصصات للذهاب إلى الخارج من أجل الدراسة.

علي محمد عبد القادر، طالب يدرس علم الآثار (الأركيولوجيا) في جامعة إفريقيا العالمية، بيّن للأناضول، أن التخصص الذي يدرسه جعله يواجه تحديات أكبر، على خلاف الطلاب ذوي التخصصات المتوفرة في البلاد، حيث لايزال يفكر في كل لحظة عن أي مخرج من هذه الأزمة.

وأضاف طالب علم الآثار، أن لديه خياران أحلاهما مر، إما أن يواصل دراسته في الخارج رغم ضيق اليد، أو الانتقال إلى تخصص آخر متوفر في الجامعات المحلية، ما يعني إضاعة 3 سنوات من مستقبله الدراسي.

ورغم ضمانات وزارة التربية والتعليم، إلا أن الكثير من الطلاب يشككون في قدرتها على إنقاذ مستقبلهم التعليمي، نظرا لقلة إمكاناتها، وغياب منهج موحد للجامعات المحلية.

ورغم أن عدد الطلاب الصوماليين في السودان في تناقص مستمر منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير، في 2019، بسبب نقص عدد المنح الدراسية المقدمة لبلادهم، إلا أن عددهم يقدر بنحو 1500 طالب، بحسب نائب السفير الصومالي لدى السودان.

الأناضول


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.