اشتكى كثير من الأسر المقيمة في المناطق المنكوبة بشرق ليبيا من قفزات قياسية في قيمة إيجارات السكن عقب وقوع إعصار دانيال، في ظل قلة المعروض من الوحدات السكنية عقب تهدم مئات المنازل وزيادة الطلب واستغلال البعض لحاجة المتضررين للمأوى بعدما جرفت السيول منازلهم.
ووصل إيجار المنزل في مدن شرق ليبيا إلى 4000 دينار ليبي، أي ما يعادل نحو 823 دولارا، بينما بلغ سعر الاستوديو “شقة صغيرة” 3000 دينار، أي ما يعادل نحو 617 دولارا، وفقا لرواية سماسرة وعاملين في السوق العقارية.
وقال أحد النازحين من المناطق المنكوبة الواقعة شرق ليبيا إبراهيم العوامي لـ”العربي الجديد”: رفع بعض أصحاب البنايات والمساكن أسعار الإيجارات استغلالاً لأوضاعنا الصعبة. وأضاف العوامي، البالغ من العمر 55 عاما، أن الأسعار تتراوح بين 3500 دينار إلى 4000 دينار وقبل حدوث فيضانات درنة لم تكن تتعدى 600 دينار.
قفزات فاتورة السكن
من جانبها، تبحث الأرملة فاطمة الشيخي، برفقة أبنائها الثلاثة، عن سكن في المدن المجاورة بعدما فقدت أحد أبنائها بسبب السيول والفيضانات الاخيرة، لكنها لم تنجح في مساعيها حتى الآن.
وقالت الشيخي لـ”العربي الجديد” إن أسعار العقارات والإيجارات أصبحت خرافية، مشيرة إلى أن مقدرتها المالية لا تسمح بدفع الإيجار، إذ إن الدخل المالي الشهري لا يتعدى 2000 دينار، أي ما يعادل 411 دولارا فقط، في حين أن الإيجارات توازي ضعف دخلها. وأضافت قائلة: “فضلت البقاء في منزلي الذي سقط نصفه جراء العاصفة دانيال، وأصبح غير صالح للسكن”.
وحول المساعدات الإغاثية وتوفير الحكومة مساكن بديلة مؤقتة لهم، قالت المواطنة الليبية: لم يطرق بابنا أحد من الجهات الحكومية، لكن المساعدات الخيرية تصل إلينا على نحو فردي.
أوضح صالح المسلاتي أنه لجأ إلى الإقامة في إحدى المدارس كسكن جماعي مع أسر أخرى، وهو في انتظار تنفيذ الوعود الحكومية بتوفير منازل بديلة لهم.
وقال المسلاتي لـ”العربي الجديد” إن معظم الأسر النازحة من محدودي الدخل ولا توجد لديها مقدرة مالية لدفع إيجارات تناطح السماء على حد وصفه.
وأكد أن إيجار منزل صغير في بنغازي يصل إلى 3500 دينار، أما الإيجارات في المدن القريبة من درنة المنكوبة فهي نادرة جدا بسبب نزوح الأسر إليها.
وتعليقا على القفزات في كلفة السكن يقول سمسار عقاري بمنطقة الجبل الأخضر عبد الله المالكي لـ”العربي الجديد” إن الارتفاع في الإيجارات يرجع إلى الطلب المتزايد على شراء السكن والإيجارات، بعد العاصفة دانيال مع محدودية المساكن المتوفرة. وأشار المالكي إلى أن حجم الأسر النازحة أكثر من إمكانيات المدن المنكوبة.
وفي العاصمة طرابلس يقول سمسار عقارات فاضل التاجوري لـ”العربي الجديد” إن الأسعار زادت بنسب لا تتعدى 20% خلال هذه الفترة. ويضيف أن سوق العقارات تسوده الفوضى، موضحا أن هناك حالات فردية يقوم فيها صاحب العقار أو أهل الخير بسداد فاتورة الإيجارات للنازحين.
حصر المتضررين
عقب الإعصار المدمر تحركت الحكومة من أجل نجدة المتضررين، إلا أن الإجراءات لم تكن كافية حسب مراقبين لـ”العربي الجديد. وكان رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، قد أعلن الأسبوع الماضي، عن تخصيص مبلغ ملياري دينار (446.4 مليون دولار)، لصالح صندوق إعمار مدينتي بنغازي ودرنة، لإعادة إعمار البلديات المنكوبة جراء الإعصار “دانيال”. كما خصصت الحكومة مساعدات عاجلة للمتضررين.
ومن جانبها، قالت وزيرة الشؤون الاجتماعية بحكومة الوحدة الوطنية وفاء الكيلاني، في تصريحات لـ”العربي الجديد” إن مركز الدراسات الاجتماعية يقوم بإعداد دراسة إحصائية لحصر الأسر المتضررة، مع توفير سكن بديل بإيجار شهري في غضون أيام.
وأضافت: “تم صرف رواتب شهرين للمتقاعدين والأرامل والفئات الخاصة والمعاقين في المدن المنكوبة.. راتب شهر والشهر الآخر إعانة مالية”.
انتقادات لسماسرة السوق
قال المحلل الاقتصادي محمد السيباني، إن سماسرة السوق قفزوا بالأسعار لمعدلات قياسية لم تصلها البلاد خلال سنوات سابقة. وأوضح السيباني في تصريحات لـ”العربي الجديد” أن من أسباب ارتفاع الإيجارات محدودية العرض في ظل تهدم مئات المباني، مطالبا بضرورة تدخل الحكومة بإقامة سكن مؤقت عاجل للأسر.
وتضرر 1500 مبنى من إجمالي 6142 مبنى في درنة جراء العاصفة دانيال التي ضربت المدينة قبل أكثر من أسبوع، وفق تقديرات أولية لحكومة الوحدة الوطنية.
وقدرت لجنة الطوارئ التابعة لحكومة الوحدة الوطنية عبر صور الأقمار الصناعية عدد المباني المدمرة بشكل كامل في درنة بنحو 891 مبنى، بالإضافة إلى 211 مبنى بشكل جزئي، كما غمر الوحل نحو 398 مبنى، فيما غمرت السيول والفيضانات مساحة تقدر بستة كيلومترات مربعة في المدينة.
وتعاني عدة مدن ليبية في شرق البلاد أوضاعًا إنسانية في غاية الصعوبة، نتيجة الفيضانات الكارثية الناجمة عن العاصفة دانيال التي اجتاحت المنطقة الأسبوع الماضي، وخلفت خسائر هائلة في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية والمرافق العامة.
العربي الجديد