مفهوم الصفوة: إننا نتعثر حين نرى

كان سألني صديق قرأ مقالي “الصفوة والمكشن بلا بصل” أدناه عن فهمي لهذه الصدفة. وصدف أن بلغني أمس فقط صدور كتاب”تجربة الانتقال الديمقراطي في السودان، 2019-2021″ عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بالدوحة. وهو كتاب حرره أحمد أبو شوك لأوراق علمية حصيلة مؤتمر انعقد بقطر حول هذا الموضوع. وفصلي في الكتاب المعنون “مفهوم الصفوة: إننا نتعثر حين نرى” مما أردت به دراسة سياسات الانتقال عندنا على ضوء مفهومنا للصفوة التي لم نطلق لساننا في شيء مثل إطلاقه عنها، وأدائه فيها. وأنشر هنا ملخص الباحث للراغب طلب الفصل في الكتاب. والملخص يقول:

يخيم على الفترة الانتقالية الحالية في السودان شبح بالفشل يأتيها مما تعارفنا عليه ب”الحلقة الجهنمية”. وهي التي تنتهي بمثل هذه الفترة والنظام الديمقراطي العاقب إلى انقلاب فديكتاتورية. وهذا اليأس الباكر مما استقرأه المحللون من تجربة سبقت لفترتين انتقاليتين في ١٩٦٤ و١٩٨٥ قام في أثرهما نظام ديمقراطي ثم طواهما انقلابان عسكريان في ١٩٦٩ و١٩٨٩. ويضع المحللون فشل الفترة الانتقالية والردة عن الديمقراطية على عاتق الصفوة التي على رأس مطلب الحكم المدني. وتنبأ النور حمد مؤخراً لفترتنا الانتقالية الحالية مصير سابقاتها بقوله ” فحين يتنازع المدنيون . . . تؤول مقاليد الأمور للعسكر بصورة تلقائية”.
أريد في هذه الورقة شق نهج تفسير أكثر تعقيداً لفهم “الحلقة الجهنمية” من جهتين. فأعيد النظر في صلاح مفهوم الصفوة لتشخيصها. وهو المفهوم الذي نقلناه إلى خطابنا السياسي عن الفكر الغربي ولم نستأنسه بتحر يدني به زمامه لنا لمعرفة أوثق بهذه الحلقة الأثيمة. ومن الجهة الثانية سأرد، على بينة مَخْضي لمفهوم الصفوة، هذه الحلقة إلى “الثورة المضادة” الغائبة في تحليلنا السياسي. فلما قَصَر المفهوم فهمنا لفشل الفترة الانتقالية على تنازع الصفوة أوحى كأنه كان بالوسع ألا تتنازع لولا سوء خلقها. وخلافاً لذلك سأوطن الصفوة ذاتها في خضم صراع اجتماعي واسع هية طرف فيه وفي حرب بين أطرافها كذلك.

باتت هذه الحلقة الجهنمية مثل دورات الطبيعة في حياتنا السياسية (أو في اعتقادنا عنها) من فرط تكرارها فينا “تكرر الحيض عند النساء في قول منصور خالد. وهي ليست كذلك بالطبع. ولم نجعلها كذلك إلا لأننا لم نحسن تشخيص هذا التعاقب ناظرين إلى صراع قوى مجتمعنا حول مصالحها. وحال دوننا ومثل هذا التشخيص أنه لم ينشأ بيننا علم للسياسة مستقل عن الناشطية السياسة يكفل لنا الترقي من الإثارة إلى الفكر. فظل الانقلاب فينا، نظرياً، من جرائر صفوة أنانية فاشلة تستدرج العسكريين لارتكابه. وتقع مثل هذه نظرية في باب الأخلاق بجعلها الانقلاب حطة نفس. ولا تقع في باب السياسة التي يتدافع الناس فيها حول مصالح استراتيجية بتكتيكات مختلفة سلمية وعنيفة.

عبد الله علي إبراهيم


انضم لقناة الواتسب

انضم لقروب الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.