صمود مزارعي السودان: مبادرات لزيادة الإنتاج وسد الفجوة الغذائية
منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إبريل/نيسان من العام الماضي، تأثر العديد من المشاريع الزراعية السودانية بشكل كبير، أبرزها مشروع الجزيرة، وسط السودان ، الذي خسر زراعة مئات الآلاف من الأفدنة بعد سيطرة الدعم السريع على ولاية الجزيرة، كما تعرضت البنية التحتية للمشروع للتدمير ونهبت الأسمدة والتقاوي والجرارات والسيارات والمخازن، وخربت بعض منشآت الري ومكاتب الإدارة.
وتأثرت في الوقت نفسه مشاريع الري المطري في ولايات سنار ودارفور وكردفان والنيل الأزرق بعد اتساع دائرة الحرب، كل ذلك قاد إلى تراجع الإنتاج الزراعي وارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية، ما أثار قلقا محليا من مجاعة وشيكة قد يتأثر بها نحو 25 مليون شخص، وهو أمر تنفيه الحكومة السودانية.
في المناطق التي لم تطاولها الحرب بعد، يعمل المزارعون على استغلال أكبر للمساحات الزراعية، لا سيما مع هطول أمطار غزيرة في خريف هذا العام، وذلك لتحقيق أكبر استفادة تعوضهم خسائر الموسم السابق، وفوق ذلك يقولون إنهم يرغبون في سد الفجوات الغذائية بالبلاد، واغلاق باب التخوف من المجاعة ونقص الغذاء.
وجالت “العربي الجديد” في مزارع الريف الشمالي لمدينة أم درمان، حيث تشهد الأراضي الزراعية نشاطًا ملحوظًا، وجهودا لاستصلاح آلاف الأفدنة لزراعة محاصيل متعددة، مثل الذرة والسمسم والبصل والخضراوات والبطيخ.
جهود لزيادة إنتاج الزراعة
يقول المزارع عبيد محمد حماد إنه يسعى مع زملاء الحقول إلى الزراعة في مشروع وادي المقدم بمساحة تزيد عن 145 كيلومترًا مربعًا على طول طريق شريان الشمال، غرب أم درمان. يشرح حماد لـ “العربي الجديد” أن المشروع يعتمد في الري على مياه الأمطار، وقد وفر خريف هذا العام بأمطاره الغزيرة، ما يكفي لزراعة المساحة التي تمتد في ثلاث ولايات هي الخرطوم وشمال كردفان ونهر النيل.
إلا أن المزارعين يأملون، بحسب حماد، في دعم حكومي من حيث التقاوي والآليات الزراعية والمبيدات، حتى لا تتراجع قدرتهم على تحقيق إنتاج كافٍ لتلبية احتياجات المنطقة، مبينا أنهم حصلوا على كميات قليلة من التقاوي من وزارة الزراعة بالخرطوم، لا تكفي كل المزارعين.
من جهته، يشكو المزارع ياسر جعفر، وهو يتحدث لـ”العربي الجديد” من مزرعة بمنطقة السروراب، من الارتفاع الكبير في تكلفة الإنتاج الزراعي منذ اندلاع الحرب.
فقد ارتفع سعر جوال الأسمدة من 17 ألف جنيه سوداني قبل الحرب إلى 80 ألف جنيه حاليًا. كما تضاعفت تكاليف نقل المحاصيل إلى الأسواق المحلية بشكل كبير، ما يضيف عبئًا إضافيًا على المزارعين. يطالب جعفر الحكومة بدعمهم بالأسمدة والوقود لضمان استمرارية الإنتاج وتحقيق الاكتفاء الذاتي على الأقل لولاية الخرطوم.
كذلك، يواجه المزارع عصام البشري نور الدائم تحديات كبيرة في ظل الحرب، بعد أن تعرضت مخازنه ومصانعه في وسط مدينة أم درمان للنهب والتدمير خلال المعارك، بلغت جملة خسائره نحو خمسة ملايين دولار، كما يوضح في حديثه لـ”العربي الجديد”، لكنه عاد للزراعة مرة أخرى وشيد مخازن ومبردات جديدة بمنطقة الشهيناب، شمال أم درمان، وزرع مساحات واسعة بالبصل والبطاطس وغيرهما.
يقول نور الدائم إنه ورغم الصدمة والخسائر الفادحة التي تعرض لها في الموسم السابق، إلا أنه عازم على الاستمرار في الزراعة، وتحدي المعوقات.
تراكم الديون
وفي حديثها عن التحديات التي يواجهها المزارعون بمناطق الريف الشمالي، تذكر المهندسة الزراعية رقية الماحي أن المزارعين قبل الحرب أودعوا محاصيلهم في مخازن بالسوق الشعبي ووسط أم درمان، سواء في مخازن جافة أو مبردات، لكن تلك المخازن والمبردات تعرضت للنهب والتدمير على يد “مليشيات الدعم السريع” علما أنهم حصلوا في ذلك الموسم على تمويل من البنوك، واليوم، يواجه هؤلاء المزارعون صعوبة في سداد القروض الزراعية، ما يعوق قدرتهم على تأمين تمويل جديد للموسم الشتوي.
وتطالب الماحي البنوك بإعفائهم أو تأجيل سداد القروض القديمة وزيادة سقف التمويل الزراعي، خصوصا عقب ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع تكلفة الإنتاج الزراعي، وتؤكد المهندسة الزراعية أن الموسم الشتوي هو الأهم في ولاية الخرطوم لإنتاج الخضراوات.
بدوره، يقول وزير الزراعة المكلف بولاية الخرطوم سر الختم فضل المولى إن الحرب أثرت على القطاع الزراعي كما على القطاعات الاقتصادية الأخرى، وتحولت بعض المشاريع الزراعية إلى ساحة معركة مثل مشروع سوبا الزراعي وسندس بولاية الخرطوم وفيهما فقدت الولاية بعض المساحات المزورعة، ما استدعى البحث عن بدائل في المناطق الآمنة لتعويض المساحات المفقودة.
ويؤكد لـ”العربي الجديد” الرغبة في زيادة الإنتاج، عبر تشجيع المزارعين وتسهيل أعمالهم بتوفير الوقود ومدخلات الإنتاج والتنسيق مع البنك الزراعي لتمويل المزارعين. ويشير فضل المولى إلى وجود 500 ألف فدان بمحلية كرري في الريف الشمالي غير مستصلحة للزراعة، تعمل الوزارة على تجهيزها وفتح نوافذ الاستثمار خصوصا أنها أراض تمتاز بمصادر ري متعددة سواء من نهر النيل، أو المياه الجوفية، مؤكدا أن كل جهودهم تنصب على تحقيق الأمن الغذائي بالخرطوم في ظل هذه الحرب.
مخاوف من المجاعة
غير أن هذا الجهد ليس كافيا لطمأنة منظمات دولية ظلت لأشهر تحذر من شبح المجاعة في السودان، ويقول برنامج الأغذية العالمي إن ما لا يقل عن 25 مليون سوداني سيعانون من ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية، وأشار البرنامج إلى ارتفاع معدلات الجوع وسوء التغذية الحاد في السودان منذ اندلاع الصراع، حيث يعاني 18 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد داخل البلاد، ويعاني حوالي 3.8 ملايين طفل سوداني دون سن الخامسة من سوء التغذية.
غير أن السلطات السودانية وفي أكثر من مناسبة، أبدت حالة من عدم الرضا على مثل تلك التقارير، وتؤكد أن المؤشرات لا تزال جيدة. يوضح وزير الزراعة سر الختم فضل المولى أن الأمن الغذائي يُقيم علمياً بأربعة مؤشرات هى الوفرة، والوصول إلى الغذاء، واستدامة الغذاء، وكيف يمكن استخدامه، مؤكدا أن كل تلك المؤشرات في السودان مطمئنة وأي حديث غير ذلك لن يكون دقيقا، فهناك نشاط في الأسواق والمخابز ووفرة في اللحوم والبيض والدواجن والخضار، وهذا يدل على استقرار المؤشر الأهم، الوفرة.
ويلفت الوزير إلى أن المشكلة الوحيدة تتعلق بمؤشر الوصول إلى الغذاء، وتتصل أكثر بالمناطق التى تسيطر عليها مليشيات الدعم السريع.
العربي الجديد