الثروة الحيوانية في السودان تتعرض لخطر كبير نتيجة تلوث المراعي، مما يهدد بقاءها واستدامتها

مواشي السودان تتعرض لـ”الهلاك” بسبب تلوث المراعي
يملك نحو 103 ملايين رأس تشمل الأبقار والماعز والأغنام والإبل وغيرها

انهيار الثروة الحيوانية بوجود تحديات بالغة التعقيد، يؤدي إلى انهيار قطاع اللحوم والألبان، لذا لم تعد الثروة بشكلها المعروف في السودان

يعتبر السودان من أغنى الدول العربية والأفريقية بثروته الحيوانية، التي تقدر بأكثر من 103 ملايين رأس، منها 30 مليوناً من الأبقار و37 مليون رأس غنم و33 مليوناً من الماعز و3 ملايين من الإبل و4 ملايين من الخيل و45 مليوناً من الدواجن، لا سيما أن الحرب الدائرة بين الجيش وقوات “الدعم السريع” منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 هددت هذه الثروة بالإهدار وألحقت الدمار ببنيتها التحتية، وأصبحت هناك مشكلات وتحديات تواجه القطاع، متمثلة في تلوث المراعي الطبيعية بسبب القذائف والإنفجارات، مما أدى إلى انتشار الأمراض وسط المواشي في المناطق ذات النزاع النشط، والمعروفة تاريخياً بإنتاج الثروة الحيوانية كولايات دارفور الخمس وكردفان والنيل الأزرق ومناطق البطانة، إلى جانب ولايتي الخرطوم والجزيرة.

لكن حجم الضرر كان كبيراً في ولاية جنوب دارفور الواقعة في منطقة السافنا الغنية بالمراعي الوافرة، التي تبعد من العاصمة الخرطوم نحو 1050 كيلومتراً، فضلاً عن أن معظم سكانها يمارسون مهنتي الرعي وتربية المواشي، إضافة إلى أنها تضم أكبر سوق لتجارة الصادرات، إذ كانت تغذي أسواق العاصمة الخرطوم قبل اندلاع الحرب، ولاحقاً شهدت الولاية انتشاراً واسعاً لأمراض الحيوان من أبرزها التسمم الدموي وأبو زقالة والورمة، في ظل ضعف الخدمات البيطرية وعدم الاهتمام بمكافحتها بسبب العجز في توفير اللقاحات نتيجة تعرض المعامل التي تنتج الأمصال للتدمير، إلى جانب موسم الخريف وما صاحبه من تغيرات مناخية أعاقت حركة تنقل الرعاة خلال رحلاتهم في مناطق المصيف عبر الحدود الشاسعة بين السودان ودول الجوار، بخاصة أفريقيا الوسطى، التي يقصدها ملاك المواشي لبيئتها المناسبة لتكاثر الحيوان، إلى جانب العناية البيطرية الفائقة.

هذه التداعيات والأخطار لعبت دوراً كبيراً في عدم الحفاظ على هذه الثروة، في ظل عدم الاستجابة للبلاغات والشكاوى المقدمة من أصحاب المواشي، مما أوجد توجساً ومخاوف من خسائر فادحة ستطاولهم باتساع رقعة الحرب وتطاول أمدها، فضلاً عن أنها أسهمت في انهيار أهم ركائز الاقتصاد السوداني.

أمراض مهددة

يقول المواطن السوداني علي الأحمر، صاحب قطيع أبقار في ولاية جنوب دارفور، إن “حصار ولايات دارفور واحتدام المعارك بها أسهما في تدمير وانهيار أهم داعم للاقتصاد السوداني، بخاصة في ولاية جنوب دارفور، لاسيما محلية رهيد البردي، التي تتميز بثروة حيوانية وحركة نشطة في تجارة المواشي، إذ تضم أكبر وأهم سوق كان يغذي العاصمة الخرطوم قبل اندلاع الحرب بأنواع مختلفة من القطيع، ونشوبها أدى إلى إيقاف البيع والشراء، وبات مواطن ولاية دارفور الذي يمتهن الرعي وتربية الحيوان، يعاني ظروفاً معيشية قاسية بسبب الغلاء وارتفاع أعلفة المواشي”.

وأضاف الأحمر “كنا في رحلات مصايف طويلة عبر الحدود الواسعة بين السودان ودول الجوار، بخاصة دولة أفريقيا الوسطى، التي تعطي الثروة الحيوانية جل الاهتمام من توفير الرعاية البيطرية ومكافحة الأمراض، إلى جانب توفر المراعي والبيئات الملائمة لتكاثر الحيوان، لكن من المؤسف عند العودة لولاية جنوب دارفور وجدنا تغييراً كبيراً نتيجة الصراع الدائر وانتشار واسع للأمراض، التي نعتبرها من أخطر المهددات التي تعجل بهلاك الحيوان، في ظل عدم وجود حلول تنهي هذه الأزمة وترجع الأوضاع إلى طبيعتها”.

وتابع “ومع غياب وشح التطعيمات، إحدى المشكلات التي تواجه الملاك وتنذر بكارثة تهدد الثروة الحيوانية، اضطررنا إلى التجوال عبر الحدود على رغم الأخطار التي يسببها قطاع الطرق الذين يقومون بنهب وسلب المواشي، لتفادي تعرض المواشي للأمراض الفتاكة، مع العلم أن القطاع الرعوي له النصيب الأكبر في الثروة المترحلة بين شمال وجنوب السودان وعبر الحدود بين تشاد وأفريقيا الوسطى من ناحية جنوب دارفور”.

وأشار صاحب القطيع إلى أنه “يجب سد فجوة اللقاحات بالاستجابة العاجلة لبلاغات التجار والملاك، حتى لا نفقد هذه الثروات التي من الصعب تعويضها مع استمرار الحرب”.

مجاعة معلنة

إلى ذلك قال أحد التجار الناشطين في حركة البيع والشراء يدعى أحمد مصطفى إن “ولاية جنوب دارفور أصبحت تفتقر إلى أبسط الخدمات سواء للإنسان أم الحيوان، خصوصاً بعد المجاعة المعلنة بسبب حصار ’الدعم السريع‘ للولايات الخمس، مما أدى إلى أوضاع قاسية في المعيشة، في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار، الذي بات يعانيه حتى من يملكون المال”.

وزاد مصطفى “الحرب أوقفت تجارة الصادرات، وأصبحت عملية البيع والشراء محصورة داخل ولاية جنوب دارفور، وهي من الخسائر التي طاولت التجار بسبب الحرب، إلى جانب أن الولاية موبوءة بالأمراض، وبالتالي فإن تنقل المواشي يسهم في انتشار الأمراض والعدوى، في وقت لا توجد وسائل لمكافحتها في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد”.

ولفت التاجر إلى أن “هناك عقبات ممنهجة فرضتها الحرب أثرت في مناحي الحياة، مما أدى لإيقاف الإمدادات والمساعدات التي بدورها ستنفذ الإنسان والحيوان، لا سيما أن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، كانت تنظم حملات تطعيم الماشية بولاية جنوب دارفور، لكن الآن فقدنا هذا الاهتمام، وينتظر ملاك المواشي هذه اللقاحات من دون أن يعرفوا متى وصولها، ومن المؤكد أنه حتى بلوغ هذه المرحلة ستفنى المواشي”.

تلوث المراعي

في حين أوضح الطبيب البيطري صلاح الأمين إلى أن “الخدمات البيطرية تأثرت كثيراً بسبب الحرب الدائرة في البلاد، فضلاً عن أن المناطق التي يحتدم فيها الصراع حالياً معروفة تاريخياً بإنتاج الثروة الحيوانية، كولايات دارفور الكبرى وكردفان وبعض مناطق النيل الأزرق والبطانة، إضافة إلى ولايتي الخرطوم والجزيرة، التي تمثل 85 في المئة من إنتاج القطاع الحديث في الثروة الحيوانية، لا سيما أن هذه الولايات هي الآن مناطق حرب، مما يستحيل معه استمرار الأنشطة الإنتاجية”.

ومضى الأمين “هذه الحرب أدت إلى تدمير المعامل البيطرية التي تنتج الأمصال، في مقدمها المعمل المركزي بولاية الخرطوم في ضاحية سوبا، فضلاً عن هجرة الكوادر الفنية واضطرار من تبقى منهم للنزوح إلى الولايات الآمنة، إلى جانب أن معظم الرعاة المدربين على التعامل مع الحيوان تخلوا عن مهنتهم بانضمامهم إلى صفوف المقاتلين واختلف شكل حياتهم، ومن غير المرجح عودتهم مستقبلاً لنشاط الرعي”.

وأشار الطبيب البيطري إلى أن “السبب الرئيس في انتشار الأمراض هو القصف الجوي والمدفعي وانفجار القذائف على الأرض، مما أدى إلى تلوث المراعي الطبيعية، إلى جانب تغيير حركة الحيوانات في مساراتها من الشمال إلى الجنوب والعكس خلال فصول العام، فضلاً عن أن هذه المسارات لم يعد بالإمكان سلكها بسبب العمليات العسكرية”.

ونبه صلاح الأمين إلى أن “المخاوف تمتد إلى الأمراض المشتركة بين الحيوان والإنسان كالسعر والبرسولا والسل، في ظل عدم توفر التطعيمات، إلى جانب أن انهيار الثروة الحيوانية بوجود تحديات بالغة التعقيد، يؤدي إلى انهيار قطاع اللحوم والألبان، لذا لم تعد الثروة بشكلها المعروف في السودان، فضلاً عن أن الأنشطة تمضي في الاضمحلال”.

ضعف الرقابة

في السياق أشار مدير الثروة الحيوانية بولاية جنوب كردفان مهدي الزبير إلى أن “السودان يعتبر من أغنى الدول العربية والأفريقية بالثروة الحيوانية، لا سيما أنه يمتلك نحو 103 ملايين رأس تشمل الأبقار والماعز والأغنام والإبل وغيرها من بقية الفصائل، مما يستوجب المحافظة عليها وعدم التقاضي عن الخدمات التي تساعد في تنميتها، على رغم ما تمر به البلاد من ظروف قاهرة”.

وأردف الزبير “هناك مشكلات تواجه الثروة الحيوانية في ولاية جنوب دارفور بسبب التفلتات الأمنية، وتعرضها للسلب والنهب عبر الحدود، إلى جانب أن الحرب أجبرت أصحاب المواشي على التنقل ودخولها بيئات جديدة، مما يجعلها عرضة للإصابة بالأمراض في ظل عدم وجود رقابة تقي هذ المواشي من الأخطار”.

ونوه مدير الثروة الحيوانية إلى أن “تفاقم الأمراض ناتج من عدم توفر المسالخ ذات المواصفات القانونية، إذ يتخلص من مخلفات الذبح في المياه الجارية بخاصة في فصل الخريف”، لافتاً إلى أن الأمر يحتاج إلى رقابة بيطرية وفرض حراسة على الحدود إلى جانب الإسراع بضرورة تطعيم المواشي في حال وصولها إلى المعمل الوقائي بعاصمة الولاية نيالا.

صحيفة اندبندنت البريطانية


انضم لقناة الواتسب


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.