التغييرات السياسية في جنوب السودان: إعادة ترتيب أم تحولات جذرية؟

تشهد جنوب السودان تغييرات سياسية واسعة في خطوة تعكس إعادة ضبط بوصلة الحكم وفق رؤية جديدة للرئيس سلفاكير ميارديت.
هذه التعديلات لا تبدو عشوائية بل هي جزء من لعبة شطرنج سياسية يتم تحريك قطعها بعناية، وفق مصالح داخلية وتوازنات إقليمية شديدة التعقيدات بل تعكس استراتيجية سياسية متكاملة ، ربما تهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق لمواجهة المرحلة المقبلة سواء على الصعيد الداخلي أو في علاقات البلاد الإقليمية.
بداية إليكم نظرة شاملة على قائمة التغييرات سنجد أن أبرز المغادرين هم:
1. جيمس واني إيقا– نائب الرئيس لقطاع الاقتصاد (الحركة الشعبية لتحرير السودان).
2. حسين عبد الباقي أكول – نائب الرئيس لقطاع الخدمات (سوا).
3. يولاندا أويل دينق– وزيرة الصحة.
4. جوزفين جوزيف لاقو– وزيرة الزراعة.
5. توت قاتلواك – المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط.
6. الفريق أكيج تونق أليو – مدير الأمن الوطني والمكتب الداخلي.
7. الفريق ألفريد فوتويو كارابا – حاكم ولاية غرب الاستوائية.
8. بيتر لام بوث – الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان.
أما الأسماء التي صعدت إلى مواقع جديدة فهي:
1. بنجامين بول ميل– نائب الرئيس لقطاع الاقتصاد.
2. جوزفين جوزيف لاقو– نائبة الرئيس لقطاع الخدمات.
3. حسين عبد الباقي أكول – وزير الزراعة والأمن الغذائي.
4. جيمس واني إيقا – الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان.
5. توت قاتلواك – سفير جنوب السودان في الكويت.
6. الفريق شارليس شيج مايور”نائب مدير جهاز الامن”القائم بأعمال المدير العام للأمن الوطني.
في هذا المشهد المتغير يبرز اسم الدكتور بنجامين بول ميل كأحد أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، بعد أن تم تعيينه نائبًا للرئيس لقطاع الاقتصاد ليحل محل المخضرم د.جيمس واني إيقا ابرز القيادات التاريخية للحركة الشعبية.
لكن التحولات لم تقتصر على بول ميل وحده بل امتدت لتشمل العديد من المواقع الاستراتيجية أبرزها توت قاتلواك الذي انتقل من مستشار إلى مبعوث رئاسي للشرق الأوسط وأنتهى إلى سفير وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان ذلك تكريمًا دبلوماسيًا أم خطوة لتخفيف نفوذه داخل المشهد السياسي الداخلي.
أما كمرد د. واني إيقا فقد عاد إلى بيت الحزب الحاكم كأمين عام للحركة الشعبية لتحرير السودان في خطوة تعكس توجهًا نحو ترتيب البيت الداخلي للحزب استعدادًا لاستحقاقات سياسية قادمة وتماشيا مع التحالفات السياسية الداخليه الجديدة ومفاوضات تومئني المتوقفة .
في ظل الوضع الاقتصادي الصعب يجد بول ميل نفسه أمام مهمة شبه مستحيلة فهو ليس فقط مطالبًا بإنتشال البلاد من أزمتها الاقتصادية ولكنه أيضًا يواجه تحدي إثبات نفسه داخل مؤسسة سياسية يسيطر عليها الحرس القديم.
هذا التعيين قد يكون فرصة ذهبية له… لكنه أيضًا “رهان محفوف بالمخاطر” حيث أن فشله في تحسين الأوضاع الاقتصادية قد يؤدي إلى فقدانه موقعه الجديد بالسرعة ذاتها التي وصل بها إليه.
لم يكن بول ميل يومًا مجرد مسؤول حكومي بل هو رجل أعمال عرف كيف يتحرك داخل دهاليز السياسة والاقتصاد في جنوب السودان منذ ترأسه شباب الحركة من أجل الإنفصال مرورا بالغرفة التجارية لجنوب السودان وصعوده من الأعمال إلى موقع رئاسي كمبعوث خاص لسلفاكير حتي وصل به المقام خلفا لواني ايقا نائبا للرئيس هذا يُظهر قدرته على المناورة واستباق الأحداث، لكن نجاحه سيعتمد على مدى قدرته على تقديم حلول حقيقية للأزمة الاقتصادية وإثبات أنه ليس مجرد ورقة تكتيكية في يد الرئيس سلفاكير في وقت الأزمات بل الحصان الرابح عكس ما يشاع عنه في الشارع الجنوبي.
وسط هذه التغييرات، جاءت زيارة الرئيس سلفاكير ميارديت إلى الإمارات، حيث التقى بالشيخ محمد بن زايد لبحث التعاون الاقتصادي والاستثماري
هذه الزيارة أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط السياسية والشعبوية حيث انقسمت الآراء بين من يرى أنها فرصة لتعزيز التنمية ومن يحذر من أن التقارب مع الإمارات قد يحمل أبعادًا سياسية خطيرة.
الإمارات تعتبر واحدة من أكثر الدول تقدمًا في مجالات الطاقة، البنية التحتية، والتكنولوجيا الزراعية، وهو ما تحتاجه جنوب السودان بشدة و التعاون مع الإمارات يمكن أن يساعد في تطوير القطاع الزراعي، والاستفادة من الخبرات الإماراتية في مجالات التعدين والتجارة الدولية ، كما أن الاستثمارات الإماراتية قد تساهم في إصلاح الاقتصاد الجنوب سوداني المتعثر وتوفير فرص عمل جديدة بعد سنوات من الحركة داخل تجمع دول شرق إفريقيا.
على الجانب الآخر هناك من يرى أن الإمارات لا تتدخل في إفريقيا دون أجندة سياسية واضحة، فالتقارب الإماراتي مع جنوب السودان يأتي في ظل الحرب المستمرة في السودان حيث يُعتقد أن أبوظبي تسعى إلى ترسيخ نفوذها في المنطقة لموازنة علاقتها بالسودان وهناك من يتساءل: – هل تسعى الإمارات إلى تقليل اعتماد جنوب السودان على خطوط أنابيب النفط السودانية؟
ومن يري في هذا التقارب هو مسار لإدخال جنوب السودان في صراعات إقليمية هو في غنى عنها؟
وهل تسعى الإمارات لاستغلال موارد جنوب السودان لأغراض سياسية تتجاوز مجرد الاستثمار؟
بين هذه التحولات السياسية الداخلية والتقارب مع القوى الإقليمية، يقف جنوب السودان في لحظة حاسمة بين أن تحقق توازنًا داخليا دقيقًا و الاستفادة من الشراكات الاقتصادية الإقليمية دون الوقوع في فخ التبعية السياسية او الموجهة .
كما أن نجاح د. بول ميل في منصبه الجديد سيحدد مستقبل الاقتصاد الجنوب سوداني خلال الفترة المقبلة والتحدي أمامه سيكون “إثبات أن رجال الأعمال يمكنهم أن يصبحوا سياسيين ناجحين” وليس مجرد مستفيدين من النظام وما يجري في جوبا ليس مجرد إعادة توزيع للمناصب بل هو إعادة تشكيل لمستقبل البلاد بأكمله فهل ستكون هذه التغييرات نقطة انطلاق نحو الاستقرار الاقتصادي المفقود ؟؟
أم مجرد حركة أخرى يراها منتقدوا الحكومة في رقعة شطرنج لا تزال قواعدها غامضة؟
هذه التغييرات ليست مجرد إعادة ترتيب أسماء كما يبدو لبعض بل جزء من إعادة هندسة للمشهد السياسي تحضيرًا للمرحلة القادمة من اشهر الفترة الانتقالية الممدة في افناسها الاخيرة … سواء كان الهدف هو ضمان استقرار السلطة في حجر الحركة الشعبية!! أو إعادة توزيع النفوذ بدماء جديدة !!! أو التمهيد لتحولات أكبر في المستقبل!!،
المؤكد ان جنوب السودان يسير نحو مرحلة تحمل فرصًا للخروج من نفق الازمات الي فضاء الرفاهية والاستقرار لللكنها أيضًا تحمل مخاطر الدخول في تحالفات قد تكون لها تبعات معقدة على المدى البعيد.
ويبقى السؤال الأهم: هل ستنجح هذه التعديلات في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي؟؟ أم أنها مجرد محاولة جديدة لكسب الوقت في ظل أزمات متراكمة يأتي كل صباح فيه بجديد؟
#سلام_تاكم💐
عادل فارس