واخيرا : لقاء القمة المريخ x الهلال

واخيرا : لقاء القمة المريخ x الهلال
في السياسة…
لا يُنظر إلى اللقاءات بين القادة على أنها مجرد مواعيد بروتوكولية، بل هي مؤشرات على اتجاهات الحكم واستقرار الدولة وعافيتها ومدى انسجام مؤسساتها مرآته الشارع سلبا او ايجابا …ولهذا السبب تصدّر المشهد السياسي في جنوب السودان خلال الأيام الماضية حديث عن لقاء منتظر بين الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه الأول الدكتور رياك مشار…. بعد جدل أثارته منصات التواصل الاجتماعي حول تأخر هذا اللقاء مما فتح الباب أمام التكهنات بشأن حالة العلاقة بين الشريكين الرئيسيين في الحكم.
فقد تسرب للتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي معلومات مفادها أن النائب الأول طلب مرارًا مقابلة الرئيس دون استجابة، وهو ما دفع البعض إلى اعتبار الأمر مؤشرًا على توتر في العلاقات داخل مؤسسة الحكم خاصة وان الكثير جري خلال فبراير في مؤسسة الرئاسة دون لقاء جمع القمة ….
بينما رأى آخرون أنه مجرد تأخير إداري لا أكثر وهو ما دفع وزير الإعلام مايكل مكوي لينفي هذه المزاعم خلال مؤتمر صحفي الجمعة الماضي مؤكدًا أن مكتب الرئيس استلم الطلب رسميًا صبيحة يوم الجمعة وأن الشائعات التي انتشرت لا أساس لها من الصحة. وأضاف أن هناك “قنوات رسمية” يجب اتباعها لمقابلة الرئيس، وليس عبر وسائل التواصل الاجتماعي في إشارة إلى انتقاده للتسريبات غير الرسمية.
لكن هذا التصريح أثار أسئلة أكثر مما قدم إجابات: هل نحن أمام أزمة تواصل بين أجنحة الحكم؟ أم أن التأخير طبيعي في ظل المشاغل الحكومية؟ وهل باتت وسائل التواصل الاجتماعي أداة ضغط سياسي داخل أروقة السلطة؟
وسط هذه التكهنات عقدت الرئاسة اجتماعًا موسعًا يوم الإثنين حضره الرئيس سلفاكير ونائبه الأول رياك مشار إلى جانب نواب الرئيس الآخرين وقادة الأحزاب… الاجتماع ركّز على تهدئة التوترات الأمنية في مقاطعتي ناصر وغرب الاستوائية واتُّفق فيه على نشر قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان (SSPDF) في ناصر بطريقة سلمية ومنظمة دون أي عقبات أو صدامات.
مايكل مكوي وزير الإعلام الذي تولى مهمة توضيح مجريات الاجتماع شدد على أن القادة السياسيين متفقون على ضرورة التعاون من أجل مصلحة البلاد مؤكدًا أن انتشار القوات هدفه استبدال الوحدات العسكرية القديمة وليس إثارة أي توتر جديد.
في الوقت ذاته دعا وزير البترول وعضو الحركة الشعبية في المعارضة بوث كانغ المجتمعات المحلية إلى ضمان انتقال القوات بسلام إلى ثكناتها دون اعتراض.
لكن الرسالة الأبرز في الاجتماع كانت دعوة الرئاسة إلى التوقف عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتأجيج الخلافات محذرة من أن نشر الدعاية السلبية قد يضر بمسار السلام أكثر مما يخدمه.
يمكن النظر إلى هذا المشهد من زاويتين مختلفتين. فمن جهة …قد يكون الأمر مجرد سوء فهم إداري حول ترتيبات لقاء الرئيس ونائبه الأول خاصة مع وجود قنوات رسمية لتنظيم مثل هذه الاجتماعات. لكن من جهة أخرى.. فإن ظهور هذه التسريبات على وسائل التواصل الاجتماعي يعكس أزمة ثقة مستمرة بين أطراف الحكم حيث أصبحت المنصات الرقمية بمثابة ساحة لقياس النفوذ السياسي وخلق نوعا من الضغط الشعبوي.
ما يثير القلق هنا أن هذا النوع من الجدل قد يكون مؤشرًا على تصدّع في آليات العمل المشترك بين الرئيس ونائبه الأول خاصة في مرحلة تتطلب أعلى درجات الانسجام لتنفيذ اتفاق السلام وتجاوز تحديات البلاد المتزايدة.
لا شك أن شركاء الحكم في جنوب السودان أمام تحديات امنية داخلية يستوجب الموازنة بين استحقاقات اتفاق السلام المنشط والممددة وإدارة الخلافات الداخلية التي تبرز بين الحين والاخري والتعامل مع التحديات الأمنية في الراهن الجنوبي لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.. وكل ذلك في ظل ضغوط دولية ومحلية متزايدة.
في جنوب السودان، ليس اللقاء بين الرئيس ونائبه الأول مجرد شأن سياسي عابر…. بل هو مؤشر يحمل دلالات تتجاوز أروقة السلطة ليمس وجدان شعب أنهكه الانتظار …ليس فقط للمرتبات المتأخرة ولكن أيضًا للاستقرار الذي لا يزال مؤجلاً. فكل عثرة في طريق لقاء القادة تعني للكثيرين أن الحلول لا تزال بعيدة… وأن الخلافات وإن بدت صامتة…. فإن صداها يُسمع في الأسواق حيث يمرح الدولار وفي البيوت واطراف البلدات واللوكات ..ينتظرون سلامًا حقيقيًا يُترجم إلى أمن وعيش كريم وليس مرحلة جديدة من التوترات السياسية المغلفة بالدبلوماسية الباردة؟
بقلم: عادل فارس مياط