الآثار العلمية والأدبية لشناقطة السودان

الآثار العلمية والأدبية لشناقطة السودان
اشتغل علماء الشناقطة في السودان بالتدريس، وصدّروا الحفظة وأجازوا العلماء، وأقاموا الخلاوي وأسسوا الزوايا، وأدخلوا الطريقة التجانية، التي تعد من أوسع الطرق انتشاراً في السودان.
ومن أشهر هؤلاء العلماء العلامة محمد السالك ولد خيِّ، والشريف محمد الحبيب عالم القضارف، والشريف الحبيب عالم بارا، والشيخ الداه عالم الأبيض، والشيخ محمد المصطفى ولد أحمد زيدان الجكني عالم نيالا، والشريف عبد الله محمد الأمين الأدوبلالي عالم دار حمر، والشيخ محمد عبد الله ولد إسماعيل البارتيلي عالم مليط، والشيخ محمد الأمين ولد أحمد داده عالم سنار، والشيخ إبراهيم ولد الطاهر عالم دار الكبابيش، والشيخ محمد عبد الله ولد قبه عالم كتم، والعالم الجليل الشيخ محمد الحسين الأبيري، الذي درّس العلم الشريف في أمدرمان، والشيخ الشريف محمد محمود الجيلاني، والعالم الجليل الشيخ سيدي محمد ولد فادوه الداودي، والشيخ محمد محمود الدلال.
ومن مدارسهم القرآنية مسيد الشريف عبد الله محمد الأمين في اللعيت أبو حبيلات وأم چاك، ومسيد محمد المختار ولد سيدي في حلة الشناقيط في أم عجيجة، ومسيد الشريف علي مولاي الولاتي في مليط، ومسيد محمد محمود ولد عبد الرحمن في أم عجيجة، وخلوة شيخنا ولد فادوه في أم سنطة.. ويعتبر مسيد مبروكة، الذي أسسه الشريف عبد القادر الشنقيطي، من منارات العلم ذائعة الصيت في السودان.
وأشهر زواياهم زاوية الشيخ إبراهيم سيدي في الفاشر، وهي من منارات العلم والذكر في تلك المدينة، وزاوية الشريف مولاي أحمد السمسدي في الضعين. وأسس العالم الجليل العابد الشيخ محمد المصطفى أبحيده الجكني زوايا ومساجد في دار الكبابيش وأمدرمان.
ويعتبر كتاب “أحوال الممالك السنارية” لمؤلفه الشيخ المختار الشنقيطي من أقدم ما كُتب عن السلطنة السنارية، وهو كتاب مفقود ولم يرد له ذكر إلا في كتاب (الواردات) لسيدي محمد المختار التيشيتي الشنقيطي، وأورد له جانباً يتحدث فيه عن طبقة اجتماعية تعرف بالعنقالة. وهذا المؤلف في تقديري يعتبر مؤلفاً قيماً ومتقدماً، ليس في السبق التاريخي فقط، بل إنه متقدم في المحتوى لأنه تاريخ اجتماعي إن جاز التعبير، ومؤلف الكتاب -المختار الشنقيطي- هذا غير معروف، ولا توجد له ترجمة.
ويعتبر كتاب “الواردات” لسيدي محمد المختار ابن العالية التيشيتي الشنقيطي، دفين جزيرة أم حراحر، من أفضل ما كُتب في التصوف في السودان، وهو عبارة عن أمالي عرفانية كان يلقيها السيد محمد المختار، وقد تصدر لكتابتها تلميذه النابه الشاعر الكبير الشيخ عبد الرحيم الغبشاوي، وواصل كتابتها بعد وفاة الغبشاوي الفكي حسن الجعلي الجوضلابي، أحد أكابر تلامذة السيد محمد المختار. وقد طُبع كتاب “الواردات” في القاهرة متضمناً ترجمة ضافية للسيد محمد المختار كتبها العلامة سيدي محمد الحافظ التجاني المصري، وهذه الطبعة نافدة منذ سنين.
وللسيد محمد المختار ديوانان، أحدهما بالعامية السودانية، والآخر بالفصحى عنوانه “ترياق الفهوم في شم رائحة القطب المكتوم،، طُبع على نفقة أبو قصيصة وكان يوزع مجاناً، ولا شك أنه نفد منذ سنين خلت. ولا شك أن هناك مخطوطات وإجازات ومراسلات قيمة للسيد محمد المختار محفوظة لدى أسرته في أم حراحر. والسيد محمد المختار كان عالماً جليلاً ورحالة جاب الآفاق، وعمل سفيراً لسلطان دارفور السلطان حسين لدى الباب العالي في تركيا.
والسلطان حسين كان من تلامذته المقربين، وقد أصدر له سلطان تركيا فرماناً يوصي بحسن معاملته، ويوصي فيه ببلدة تيشيت، خاصة أهل الزر الساحلي من تيشيت.. دُفن السيد محمد المختار في جزيرة أم حراحر، التي أهداها له تلميذه محمد سعيد باشا، خديوي مصر.
ولا شك أن العارف الكبير الشيخ محمد يسلمو الشنقيطي، دفين مليط، له مخطوطات ومراسلات قيمة، وقد كتب له السلطان العثماني فرماناً يأمر بإكرامه أينما نزل، وكان من تلامذته السلطان علي دينار.. وأسرة الشيخ محمد يسلمو بالفاشر أسرة علم وعبادة، وحفيده المرحوم إبراهيم سيدي، شيخ الزاوية التجانية بالفاشر، كان شاعراً مطبوعاً، وله مؤلفات ومساجلات مع الشريف إبراهيم صالح أوف مايدقري المشهور.. وقد أسلم على يده وتتلمذ له -أقصد إبراهيم سيدي- البروفيسور الألماني أحمد التجاني، المحاضر في جامعة بير ويت في ميونخ. ويعتبر العلامة المتفرد الشيخ محمد السالك ولد خيِّ من أكثر العلماء الشناقطة تأليفاً ومعظم مؤلفاته لم تر النور بعد.
وللأستاذ محمد صالح الشنقيطي مؤلف في القانون، ذكره محجوب عمر باشري في كتابه “رواد الفكر السوداني”، وتعتبر مكتبته التي أهداها لجامعة الخرطوم، والشارع الذي يحمل اسمه في أم درمان، من الآثار العلمية والأدبية الباذخة.
ويعتبر كتاب “فتح الرحمن فيما يحتاج إليه كل إنسان” لمؤلفه الشريف أحمد حماه الله التيشيتي من الكتب ذائعة الصيت عند المشتغلين بالأسرار وعلم الحرف في السودان. ولسيدي الشريف حماه الله مكتبة ضخمة ورثها ابنه الشريف محمد، وقد أهداها الشريف محمد قبيل وفاته لصديقه يوسف عبد المنان الحامدي من أهل دار الريح.
وقد ترك العالم الكبير الشيخ محمد الحبيب التيشيتي، إمام مسجد بارا العتيق، مكتبة ضخمة لم تجد وارثاً لأنه بلا عقب، ولست أدري؛ أأصبحت مكتبة عامة أم ما زالت حبيسة الجدران. ومكتبة الشريف الحبيب في أم روابة من معالم تلك المدينة، وكان الشريف الحبيب أديباً ولغوياً ضليعاً، وشاعراً له ديوان مخطوط.
حقق الشريف الحبيب طبعة قاهرية قديمة لكتاب “مراقي السعود” لحجة شنقيط العلامة سيدي عبد الله ولد حاج إبراهيم. وللشريف الحبيب تلامذة كثر في مدينة أم روابة، وابنه الشاعر والصحفي المرموق عبد القادر الحبيب من الإعلاميين اللامعين في الصحافة والتلفزيون السوداني، ومن الذين أثروا مكتبة التلفزيون السوداني بالبرامج المميزة.
وللأستاذ نادر أحمد الشريف الحبيب كتابات قيمة عن الفن السوداني، وله كتاب رائع عن فن الحقيبة السوداني المشهور، ونادر هذا ابن اللواء أحمد الشريف الحبيب التيشيتي، أحد جنرالات الجيش السوداني اللامعين.
وهناك دواوين شعرية لعلها لم تر النور بعد، مثل ديوان مولود ولد إجيه، وديوان أحمد عباس (بو سنينه)، وديوان محمد محمود أبو شامة، وديوان الشيخ محمد عبد الله ولد إسماعيل البارتيلي، وقصائد محمد الأمين سيدي عبد الله البوصادي. ولقد وقفت على مجموع صغير يحتوي على قصائد رائعة للعالم الجليل والدبلوماسي، الشيخ محمد الحسين الأبيري، ومعظم هذه القصائد في مدح أهل بلدة “البرصة” في شمالي السودان.
ولعلنا لا نذهب بعيداً إن اعتبرنا المحاضرات التي ألقاها العلامة الشيخ محمد الأمين الجكني الشنقيطي، والأسئلة التي أجاب عليها في المعهد العلمي في أم درمان، والتي ضمّنها رحلته المشهورة، ضمن هذا التراث الشنقيطي العلمي الباذخ، الذي أثرى الحياة العلمية والثقافية في السودان.
ولعل مثل ذلك يقال عن الإقامة القصيرة للعلامة ول فحفو في الأبيض، واشتغاله بالتدريس والتأليف، وكذلك غيرهم من العلماء العابرين الذين يأتي بهم ركب الحجيج على طريق الحج الأفريقي.
ولعل من محاسن الصدف أن تتزامن كتابة هذا المقال مع زيارة وفد برلماني إلى السودان لتعزيز العلاقات المعززة أصلاً، والمؤسسة على الحب والتقوى، بين شعبي موريتانيا والسودان.. والشعب السوداني العظيم له أيادٍ بيضاء على الشعب الموريتاني، وبينهما أرحام دينية وطينية ووشائج مقدسة. وحتى فخامة الرئيس الغزواني تمتد أسرته المباركة إلى مدينة الأبيض الصامدة، وله بها أقارب وأصهار.
وقد دخل آلاف السودانيين إلى موريتانيا بعد الحرب وهم يعملون في شتى المجالات، ونرجو أن يجدوا معاملة خاصة وتمييزاً إيجابياً في بلدهم الثاني.
وبيـنـنا لو رعـيـتم ذاك معـرفـة .. إن المعارف في أهل النهى ذمم
ابراهيم الدلال