«والله أنت ما بتشبه البوليس»… لماذا أصبح الشبه مثار استغراب؟

«والله أنت ما بتشبه البوليس»… لماذا أصبح الشبه مثار استغراب؟

✍️ عمر محمد عثمان

كثيرًا ما يسمع ضباط الشرطة، العاملون منهم والمتقاعدون، عبارة تتردد في الجلسات الاجتماعية والمناسبات المختلفة: «والله أنت ما بتشبه البوليس» عبارة قد تبدو في ظاهرها مجاملة لطيفة أو تعليقًا عفويًا، لكنها في الحقيقة تثير تساؤلات عميقة. إذ ما الذي يجعل “الشبه بالشرطة” شيئًا يُستغرب منه؟ ولماذا أصبح الخروج عن هذا “الشبه” مدعاة للثناء؟

هذه الجملة تكشف عن صورة ذهنية راسخة لدى البعض، صورة ترتبط في أغلب الأحوال بالصرامة الزائدة، أو الجفاء في التعامل، أو استخدام السلطة دون رحمة. وهي صورة لا تمثل الواقع بكل أبعاده، لكنها للأسف تحولت إلى انطباع عام يصعب تجاهله.

أولًا: موروث ثقافي طويل

لطالما ارتبطت الشرطة – في الوعي الجمعي – بالدولة وسلطتها التنفيذية. وقد ترسخ هذا الربط تاريخيًا في ظل أنظمة كان يُنظر فيها للشرطي باعتباره اليد القوية للحكومة، وليس الخادم العام لمصالح الناس. وبهذا الشكل، بقيت النظرة إليه محصورة في خانة الخوف والرهبة، لا الثقة أو الشراكة.

ثانيًا: ممارسات فردية

لا يخلو أي جهاز من وجود تجاوزات فردية، والشرطة ليست استثناءً. لكن حين تسلك فئة محدودة من الأفراد سلوكًا خاطئًا، فإن المجتمع – بطبعه – يعمم. وهنا يبدأ الانطباع السلبي في التكوّن، ويتحول إلى قاعدة تُقاس عليها المؤسسة بأكملها، مهما كان حجم الانضباط والإخلاص داخلها.

ثالثًا: قصور في نقل الصورة الحقيقية

رغم ما تبذله الشرطة من جهود أمنية وخدمية، إلا أن ضعف الحضور الإعلامي، وتراجع التفاعل المجتمعي، جعلا كثيرًا من هذه الجهود مجهولة أو غير مرئية للناس. الصورة لا تُصنع بالفعل فقط، بل بطريقة تقديم الفعل وتواصله مع الجمهور. ومع غياب هذه النافذة، يبقى المجال مفتوحًا للتأويل والتشويه.

رابعًا: دور الإعلام والروايات المتداولة

وسائل الإعلام، خاصة في عصر المنصات المفتوحة، باتت تسهم بقوة في رسم صورة الشرطي، سواء إيجابًا أو سلبًا. وعندما يغيب الصوت المؤسسي أو يغفل عن إدارة صورته، تتصدر الروايات الفردية – أحيانًا المبالغ فيها – وتتحول إلى حقيقة في نظر المتلقي.

في الختام

القول بأن فلانًا “لا يشبه البوليس” ليس مدحًا بقدر ما هو مرآة تعكس خللاً في الصورة الذهنية، وتطرح سؤالًا مشروعًا: كيف يمكن إعادة تقديم الشرطي كمواطن له واجباته، لكنه أيضًا إنسان يؤدي رسالته بروح العدل، لا بسطوة السلطة؟ حين ننجح في ذلك، لن يكون “الشبه بالشرطة” مثار استغراب، بل سيكون عنوانًا للمهنية، والنزاهة، والانضباط. وهذه ليست مهمة الشرطة وحدها، بل مسؤولية مجتمع بأكمله يؤمن بأن الأمن لا يُصنع بالخوف، بل بالثقة.

٢٨ يونيو ٢٠٢٥م




مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.