في حوار ما بعد رفع العقوبات.. صاحب الحق الحصري لاستيراد القمح الأمريكي الأمين الشيخ مصطفى الأمين
أكد رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات الشيخ مصطفى الأمين رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الأمين مصطفى، أن الشعب السوداني سيحصد نتائج رفع الحظر منتصف العام القادم، مبيناً أن الحكومة عادت إلى صوابها، كاشفاً عن استعادة شركاتهم الحق الحصري لاستيراد القمح الأمريكي، مبينًا أن الحكومة مطالبة بالمضي قدماً في سياستها الجديدة حتى لا تعود البلاد مجددًا إلى مربع الحظر الاقتصادي الخارجي، لافتاً إلى أن كل الحكومات المتعاقبة تعتبر القطاع الخاص ورجال الأعمال مجرد “لصوص”.
وفي المساحة التالية نستعرض إجاباته على أسئلة الصيحة:
*دعنا في البداية نتعرف على تعامل مجموعة شركاتكم مع أمريكا؟
– في البدايةـ دعني أبعث بعاطر التهانئ وأعذبها إلى الشعب السوداني بمناسبة رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي عن البلاد، وأتمنى أن تشهد الفترة القادمة انفراجاً على الأصعدة كافة..
بالعودة إلى سؤالك الافتتاحي فإن تعاملنا مع الأمريكان تمثل في أننا كنا الوكيل الحصري بالسودان لمجلس القمح الأمريكي، حيث كنا نستورده عقب توقفه من البلاد لأكثر من خمسة عشر عاماً.
*متى حصلتم على الحق الحصري لاستيراد القمح الأمريكي للبلاد؟
– كان ذلك في خواتيم القرن الماضي ، وتحديداً في العام 1999 وانتهت الإجراءات في عام 2000، حيث التقينا مندوب مجلس القمح الأمريكي مستر دك براير، في القاهرة وتم وقتها استقبال الباخرة الأولى وتسليمنا في احتفال رسمي توكيل استيراد القمح الأمريكي .
*حسناً، هل استمرت عمليات استيرادكم للقمح الأمريكي أم توقفت لاحقاً؟
– نسبة للظروف السياسة بين السودان وأمريكا، فإن عمليات الاستيراد لم تستمر طويلاً، وتوقفت تحديداً في العام 2002 حيث لم نستمر أكثر من عامين فقط، نسبة للصعوبات البالغة التي كانت تواجهنا في استخراج تراخيص الاستيراد وإكمال إجراءاته، وكان الأمر لا يتم إلا باستثناء و”مباصرات” طويلة .
*هل تم إيقاف التعامل في القمح بسبب تعقيد الإجراءات أم إن أمريكا هي التي قررت ذلك وقتها؟
– تم إيقافه من جانبهم، والعلاقات الاقتصادية بين البلدين أصلاً كانت جراء الحظر متوقفة، ولكن بالرغم من ذلك، حدثت استثناءات استفدنا منها في الفترة الزمنية التي ذكرتها آنفاً، ومعروف أن اللوبيات والشركات في أمريكا أحياناً تضغط من أجل مصالحها، واستفدنا من ذلك، بيد أن الأمر لم يستمر طويلاً، وتوقفت العلاقة بعد ذلك كلياً.
*هل توقف بذلك استيراد السودان وقتها للقمح الأمريكي بصفة نهائية؟
– توقف صورة كلية، وطوال قرابة الأربعة عشر عاماً فإن البلاد لم يدخلها قمح أمريكي، لكن نجحت المساعي لاحقًا في استيراده في خواتيم العام الماضي، وبداية الحالي عبر باخرة تم استيرادها بواسطة شركة سيقا، وأيضاً تمت هذه العملية استنادًا على استثناء .
*وتولت الحكومة أمر استيراد القمح؟
– نعم .. بواسطة المخزون الاستراتيجي الذي دائماً يسعى إلى الشراء وفقاً لأكثر الأسعار انخفاضاً، والسبب في ذلك يعود إلى الندرة في النقد الأجنبي، كما أن القمح المستورد يعتبر مخزوناً استراتيجياً.
*استناداً على أقل الأسعار، فإن هذا يعني أن جودة القمح ليست بالمستوى المطلوب؟
– في أيام “العز”، فإن السودان كان يستورد أجود أنواع القمح في العالم مثل الكندي، الأسترالي والأمريكي، ولكن أخيرًا فإن هذا الأمر تغير تحديداً قبل عامين بعد أن تولى المخزون الإستراتيجي أمر استيراد هذه السلعة بتفضيله أقل أنواع القمح جودة لثمنها الزهيد.
*هل هو قمح غير صالح للاستعمال؟
– لا.. فقط هذه النوعية يتوفر فيها الحد الأدنى من المواصفات المطلوبة في القمح .
*دار لغط كثيف حول تصنيفات جودة القمح؟
– نعم.. تصنيف القمح من حيث درجات الجودة عمل فني بحت تدخل فيه عوامل متعددة مثل نسبة الرطوبة والبولتين والبروتين، وغيرها من مميزات متنوعة تحدد نوعية القمح ودرجة تصنيفه التي تحدد كمية كمية الدقيق الناتجة منه .
*وكم يبلغ الناتج من الدقيق في كل نوع من القمح؟
– تتفاوت، فإذا ضربنا مثلاً بالقمح متوسط الجودة فإن نسبة الاستخلاص مثلاً تساوي 71%، أما القمح الجيد فيعطي نسبة استخلاص تصل إلى 74%، والقمح الأقل جودة فإن نسبته استخلاصه لا تتجاوز 67% ونسبة الردة تكون عالية وأكثر من الدقيق.
*هذا يعني أن القمح الذي نستهلكه هو الأقل جودة؟
– نعم.. هو في الدرجة الأخيرة على صعيد القمح المستوفي للمواصفات، ومجدداً أؤكد أن السودان كان يستهلك أفضل أنواع القمح في العالم كما أشرت أبرزها الأسترالي والأمريكي والكندي، ويعتبر الكندي رقم واحد في العالم ومن بعده الأسترالي ثم الأمريكي، ومن ثم تأتي أنواع القمح الأخرى المنتجة في دول مختلفة من العالم .
*حسناً.. عاد إليكم أخيراً الحق الحصري لاسستيراد القمح الأمريكي وتلقيتم خطاباً في هذا الإطار؟
– نعم بإذن الله.. وللتأكيد على أن السياسة لا تنفصل عن الاقتصاد والعكس، فإن مجلس القمح الأمريكي وهو الجهة المسوولة عن عمليات تصديره خارج الولايات المتحدة فقد كان مثل غيره من المؤسسات الأمريكية يرى بأن السودان بدأ ينضج سياسياً، وقد تخلى عن كل المشاكل التي أدخلته في الدوامة الحظر، وبالتالي كانوا يتوقعون رفع الحظر .
*هذا يعني أن عدة جهات في أمريكا كانت تتوقع رفع الحظر بدليل وصول الخطاب إليكم قبل أكثر من ثلاثة أسابيع؟
– المؤسسات الاقتصادية الأمريكية وغيرها كانت تدرك أن الحظر لا محالة سيتم رفعه عن السودان، لأن القرار كان جاهزاً، بداعي التزام حكومتنا بالمسارات الخمسة التي تم تحديدها لها، لذا فإنه تمت مخاطبتنا بإمكانية عودة عمليات استيرادنا.
*هل معنى ذلك العلاقات الاقتصادية بين البلدين قد بدأت مياهها تعود لمجاريها؟
– لا نستطيع القول بذلك، لأن قرار رفع الحظر سيدخل حيز التنفيذ في الحادي والعشرين من هذا الشهر، وأتوقع أن يعود دولاب العمل في العلاقة بين البلدين طبيعياً في بداية العام الجديد، والسبب يعود إلى أن أمريكا في خواتيم كل عام تدخل في دوامة أعياد الكريسماس، ولكن بعد ذلك فإن التعامل سينساب بصورة طبيعية .
*إذن كم هي النسبة التي ستغطيها شركتكم في حجم الوارد إلى البلاد من القمح؟
– في الفترة الأخيرة ابتعدنا عن ملف القمح نسبة لظروف توقف التعامل مع أمريكا منذ خمسة عشر عاماً، لذا فلا نعرف حجم استهلاك البلاد وفجوتها، ولكن بصفة عامة فإن أرقام القمح ذات علاقة مباشرة بمعرفة قرار الدولة المتعلق برفع الدعم من عدمه، لأن جزءاً كبيراً من كميات القمح التي نستوردها وندعمها ومحسوبة على استهلاكنا يذهب إلى بعض دول الجوار .
*هل تبدو من أنصار رفع الدعم عن القمح؟
– الحكومة تحتاج إلى إجراء معادلة تكفل لها التخلي عن الدعم، ولكن في ذات الوقت لابد بالتوازي أن تعمل على إيجاد آلية تكفل لها المحافظة على أن تكون التكلفة المعيشية للمواطن جيدة وميسورة، وإذا حدث ذلك، فإن أرقام كميات القمح المستوردة ستهبط.
*ألا يعتبر توطين زراعة القمح في البلاد من الحلول الجيدة؟
– تعتبر جيدة بكل المقاييس، وقد تمت زراعة رقعة زراعية واسعة بولايات الشمالية، نهر النيل والجزيرة، وأنا متفائل أن فجوة القمح سوف تتراجع وكمياته المستوردة ستقل، ولكن أجدد التأكيد على أهمية أن يكون رفع الدعم مصحوباً بإجراءات تخفف المعاناة على المواطن.
*عفواً… أنت تدعو لتوطين القمح ووزير المالية السابق قال إن تكلفة استيراده أقل من زراعته في البلاد؟
– لا أتفق مع وزير المالية السابق، لأن سياسة توطين القمح أعتبرها رشيدة ولابد من تشجيعها، وأعتقد أن رفع الحكومة للسعر التركيزي للقمح إلى 550 جنيهاً تصب في هذا الاتجاه وتسهم في دفع المزارعين إلى زراعته، ومعروف أن سعر الجوال ولسنوات طوال كان يقف في حاجز الأربعمائة جنيه، وبصفة عامة فإن الدولة تبدو جادة في هذا الإطار والدليل على ذلك أنها فطنت إلى أن المساحات المزروعة بالبرسيم يجب الاستفادة منها في القمح لجهة استهلاك البرسيم لنسبة مياه عالية تعادل ثلاثة أضعاف ما يستهلكه القمح، ومن ناحية حسابات اقتصادية، فإن الأمر يمضي جيدًا، ولابد من أن تبذل الحكومة مزيداً من المحفزات للمزارعين السودانيين حتى يتوسعوا أكثر في زراعة القمح.
*وكيف تبدو جودة القمح السوداني؟
– سؤال جميل.. هل تعلم أن نوعية القمح السوداني تعتبر درجة أولى وتحديداً الذي يتم إنتاجه في الولاية الشمالية، وتميزه وجودته تأتي من ناحية الإنتاجية للفدان الواحد بالإضافة إلى توفر كل الخصائص المطلوبة فيه ، وهو أفضل من القمح الروسي والهندي وغيره.
*ولكن بوصفكم رجال أعمال متهمون باللجوء إلى أسهل الطرق لكسب أكبر قدر من الفوائد المادية، لذا لا تهتمون بالإنتاج المحلي؟
– دعني هنا أشير إلى أمر بالغ الأهمية وهو أنني وبحمد الله عاصرت كل الحكومات التي تعاقبت على البلاد ، ديمقراطية كانت أو شمولية أو انتقالية أو نموذج الحكم الإسلامي القائم ، وللأسف النماذج السبعة للحكم هذه تعتبر القطاع الخاص ورجال الأعمال هم العدو الأول الذي يجب محاربته ، وتعاملهم واحد ونظرتهم تتلخص في أن رجل الأعمال هذا “زول حرامي”، فكيف تتم محاربته والتضييق عليه.
*ولكن الدولة تؤكد أنها أوكلت 80% من الاقتصاد إلى القطاع الخاص؟
– هذا مجرد ادعاء وكلمة حق أريد بها باطل، لأنه على أرض الواقع لا يوجد قطاع خاص بمعناه المتعارف عليه، وحالياً الموجودة هي شركات مملوكة للدولة بمسميات لا نريد الدخول في تفاصيلها، والقطاع الخاص موجود ولكن تقهقر، وحتى الأسماء التي ظهرت مؤخراً بدون تفاصيل هي واجهات حكومية .
*كيف تنظر لقرار رفع الحظر؟
– من زاوية أن الحكومة والله الحمد عادت إلى صوابها ونتج عن ذلك رفع الحظر، والذي لم يحدث لأن الحكومة الأمريكية تغيرت، ولكن لأن الحكومة السودانية أحدثت تغييراً في سياستها وكان هذا أمراً إيجابياً نتج عنه رفع الحظر، وهذا عاد إيجاباً على نفسية المواطن الذي يأمل أن يحدث تغيير في المستقبل بعد أن انزاحت شماعة العقوبات .
*البعض يخشى من عودة البلاد إلى مربع الحظر إذا نكصت الحكومة عن تعهداتها؟
– إذا لم تستمر الحكومة في الإيفاء بالتعهدات التي قطعنا فيها أشواطاً مقدرة حتى تم رفع الحظر، فإنه بالتأكيد ستعيدنا أمريكا مجددًا إلى ذات المربع الذي ظللنا نرزح تحته لعشرين عاماً.
*متى يحصد المواطن نتائج رفع الحظر؟
– أعتقد أن المواطن السوداني المغلوب على أمره بسبب سياسات الحكومة هو الذي دفع فاتورة الحظر ومن تمت معاقبته وليس الحكومة، أتوقع في منتصف العام 2018 أن تشهد الأوضاع الاقتصادية والمعيشية انفراجاً كبيراً، وفي تقديري أن الراحة النفسية كانت واضحة، وهذه تعتبر درجة جيدة، تؤكد أن المواطن يعيش في تفاؤل بأن القادم أفضل.
*ما هو المطلوب من الحكومة؟
– المطلوب أن تمضي على ذات الطريق وألا تعود القهقرى إلى سياساتها الماضية، فالعلاج الذي اجترحته يعتبر جيداً، فقد أنزلت لافتة ورفعت أخرى مختلفة تماماً في المضامين، فأعادت بذلك البسمة إلى المواطنين .
صديق رمضان
الصيحة