المبعوثون الأمريكيون إلى السودان.. (بولوتيكا) الفشل أم النجاح؟
يبالغ الرؤساء المتعاقبون على سدة الحكم في أكبر دولة بالعالم؛ سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين، في رسم تصورات غير منطقية عن مقدرات المبعوثين الذين يدفعون بهم إلى السودان، ويرون أنّ “حقيبة المبعوث ما هي إلَّا عصا موسى لإنهاء أزمات السودان”، لكن هذا غير صحيح.
الآن يعيد بايدن ذات مجد حقبة “المبعوث المعجزة”، بعد أن تفاقمت الحرب في السودان، دون نجاح منبر جدة الذي ترعاه إدارته عبر سفيرها جون جودفري – الذي ينوي الاستقالة – مناصفة مع الرياض، ويتّجه بايدن وتحت ضغوط الكونجرس والنواب بإجماع جمهوري وديمقراطي، لتسمية مبعوث خاص إلى السودان.
تقارير إعلام أمريكي رجحت أن يكون يتولى المنصب عضو الكونجرس السابق “توم بيرييلو” المقرب من الرئيس الأسبق أوباما.
تاريخ المبعوثين
وبالنظر إلى التاريخ الطويل للسودان مع مبعوثي واشنطن، فإن للرئيس الأمريكي بوش الابن النصيب الأوفر، ووصل في عهده عدد منهم إلى السودان، وشكّلوا حلقة الوصل بعد تدهور العلاقة بين واشنطن والخرطوم عقب وصول الإسلاميين لسدة الحكم وخفض التمثيل الدبلوماسي بينهما.. حينها سارع بوش لتعيين السيناتور السابق عن ولاية ميسوري جون دانفورث مبعوثاً خاصّاً له خلال 2001 – 2005، لاحقاً أصبح مهندس اتفاق مشاكوس لفرقاء السودان في الجنوب والشمال ونواة لاتفاق مضى لفصل الجنوبيين، لتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين الدولتين. بوش أيضاً عيّن في عهده ريتشارد وليامسون 2008 – 2009، واندرو ناتسيوس.. لكن أيٌّ من مبعوثيه لم ينهِ مشاكل بلد ظلت تتكاثر دون توقف إلى أن وصل لمرحلة الحرب الشاملة.
من ذات الكتاب
غادر بوش، ووصل أوباما، لكن هذا التغيير لم يعنِ للسودان شيئاً، إذ أنه لم يجتهد كثيراً حول أزمات البلد الأفريقي الذي شارك مواطنوه فرح (السود) في العالم عقابيل وصوله للبيت الأبيض.
أوباما لم يُغيِّر ما هو سائد وسارع بتسمية سكوت غرايشن مبعوثاً خاصاً له للسودان 2009 – 2011. آخرون كُثر أتوا خلفاً لغرايشن، لكن ظلت مشاكل السودان تزداد هنا وهناك.
قليلة الخبرة
الآن ينتظر المشرعون في الكونجرس أن يعلن بايدن رسمياً عضو الكونجرس الديمقراطي السابق عن ولاية فرجينيا “توم بيرييلو”، مبعوثاً خاصاً للسودان، ليسير في ذات درب من سبقه في البيت الأبيض، رغم أنّ عهده شهد عودة ترفيع التمثيل الدبلوماسي لدرجة سفير مع الخرطوم بعد نحو ربع قرن من المقاطعة، حيث أرسل السفير جودفري العام 2022.
منتقدو توم يقولون عنه لموقع (ديفيكس) الأمريكي، زنه خسر سباق حاكم الولاية في عام 2017، كما أن خبرته عن السودان قليلة، على الرغم من عمله كمبعوث خاص إلى منطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا.
وفي إبريل استقال توم من منصبه كمدير تنفيذي للبرامج الأمريكية في مؤسسة المجتمع المفتوح.
(توم) تفوّق على منافسيه في المنصب، وهما السفير الأمريكي الحالي للسودان جون جودفري ومدير برنامج المعونة الأمريكية.
الكونغرس ومولي في
ولطالما كان الكونغرس من أشد منتقدي نهج إدارة بايدن في التعامل مع السياسة الأفريقية، التي تشرف عليها مساعدة وزير الخارجية “مولي في”، كما أنها ظلت أكثر المعارضين لتعيين مبعوث إلى السودان، لكن كبار المشرعين نجحوا في ذلك، بل واقترحوا أن يتجاوز المبعوث إدارات وزارة الخارجية بما فيها إدارة “مولي” وأن يرفعوا تقاريرهم إلى الرئيس مباشرةً وهذا ما ظلت تعارضه “في”، بل دعوا إدارة بايدن بأن تجري تغييراً في سياساتها تجاه السودان، وأن لا يقتصر التغيير “فقط في هيكل هذه السياسة، بل أيضاً مهندسيها”.
مرحلة انتقال
الباحث في الشؤون السياسية د. الحاج حمد يقول ، إنّ واشنطن لا تزال في حالة الانتقال بعلاقتها مع السودان. فبعد انقلاب الإنقاذ الذي انفذه مع تنظيم الإسلام السياسي ضد حكومة متعددة الأحزاب ديموقراطياً، شاركها تفكيك النظام السوفيتي في القرن الأفريقي. وصارت للأجهزة الأمنية الأمريكية اليد العليا في إدارة السودان.
حالة فوضَـى
ويقول النقاد إنَّ سياسة بايدن تجاه السودان كانت في حالة من “الفوضى”، وأشاروا إلى ما يعتبرونه نقصاً في المشاركة رفيعة المستوى في الجهود الرامية إلى كبح جماح الفصائل المتحاربة في البلاد وداعميها الإقليميين، ويُشيرون إلى أنّ رؤساء الولايات المتحدة السابقين، بما في ذلك جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قد عيّنوا مبعوثين شخصيين للبيت الأبيض لحل التحديات الدبلوماسية الأمريكية في السودان، مما يعكس الأولوية القصوى الممنوحة للاستجابة للأزمة.
إظهار التزام
في مقابل ذلك، يرى المشرعون أنّ تعيين المبعوث يهدف إلى إظهار التزام الولايات المتحدة بإنهاء الصراع الذي أدى إلى مقتل نحو 12 ألف سوداني ونزوح نحو 10 ملايين مواطن، وأدّت إلى استئناف عمليات القتل الجماعي في دارفور، موقع الإبادة الجماعية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
إدارة هجين
ويواصل حمد مضيفاً، إنّ واشنطن استمرت في “سياسة الانتقال” مع السودان حتى انتفاضة ديسمبر، مع التعديلات تتراوح بين الجزرة والعصا. ومن ثَمّ وبعد الانتفاضة انتقلت إلى سياسة “الهجين” وذلك بدخول الخارجية الأمريكية مع جهاز الأمن، فصار هناك سفير لكن لم “يجزه الكونجرس”. ويمضي بقوله: هذا الوضع هو المستمر حالياً، وينوه إلى أنّ وظيفة مبعوث الرئيس أعلى “ديوانية” من السفير، لكن وظيفياً ليس منضبطاً بقواعد العمل الدبلوماسي. وأولويته الحفاظ على قاعدة التصنع في سوبا من خلال إنتاج حكم موالٍ لأجندتهم بشكلٍ “أعمى”.
البديل
يقول سفير السودان السابق في واشنطن د. خضر هارون ، إنّ تعيين مبعوث رئاسي عادةً يتم عندما لا يوجد سفير في البلد المعين له، أو التمثيل في مستوى أقل من مستوى السفراء، والغرض من ذلك تجاوز بيروقراطية الخارجية للوصول إلى صانع القرار، الرئيسي أو على الأقل وزير الخارجية. ويشير إلى أنّ التجارب السابقة مع المبعوثين لم تُكلّل بالنجاح إلَّا تجربة السيناتور المتقاعد “جون دانفورث”، فقد كان يُحظى باحترام الحزبين، وكان يتصل مباشرةً بالرئيس جورج بوش الابن وهو جمهوري من حزبه. وأيضاً المبعوث “قريشن” الذي عيّنه أوباما، كان جاداً في مهمته إلَّا أنه تعرّض لهجوم قاس من جماعات على عداء مع حكومة السودان في ذلك الوقت، فجرى تغييره، أما الآخرون لم ينجح منهم أحدٌ.
عقبة بلينكن
المحلل السابق في وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية كاميرون هدسون ــ الذي عمل تحت قيادة مبعوثين سابقين للسودان، يرى أنّ ما يزعجه كمراقب للشأن السوداني هو أن “بلينكن لا يريد أن يشارك”، وزاد “هذا أمرٌ مدمر للغاية لسياستنا في السودان. هناك إبادة جماعية تحدث في السودان، والبلاد على وشك التفكك”.
كرت انتخابات
لا “أعول كثيراً على هذا التعيين”، هكذا يواصل السفير هارون تقييمه لخطوة بايدن لتوظيف مبعوث، ويمضي بقوله: “إنه مجرد استرضاء للجنة العلاقات الخارجية في سنة انتخابات رئاسية وبرلمانية جزئية”. ويضيف أن الخطوة لا تتجاوز مهمة إسكات الجدل حول الموضوع، ويردف: “الوصفة إن لم تتجاوز الوصفة السابقة لوصفة أجدى لن تقدم خيراً” كما أن الإصرار عليها سيزيد الوضع تعقيداً فيما أراه.
تراجع دوره
أثار الجدل بشأن رفض وزارة الخارجية، بوجود خط تواصل مباشر بين توم ووزير الخارجية، عن مدى مكانة وأهمية “المبعوث” في إدارة بايدن، ويرى بعض الخبراء أنّه وبمرور الوقت، بدأت مكانة وخبرة المبعوثين الأمريكيين في الانخفاض تدريجياً، إذ بدأ الأمر باختيار أعضاء مجلس الشيوخ السابقين كمبعوثين رئاسيين، ثم تعيين الدبلوماسيين المُخضرمين الذين يرفعون تقاريرهم إلى وزير الخارجية، قبل الوصول إلى تعيين مبعوثين أقل خبرةً يرفعون تقاريرهم إلى مساعد وزير الخارجية.
أزمة المبعوث الجديد
عندما اقترب بيرييلو من منصبه العام الماضي في السودان، قدم عدداً من المطالب، بما في ذلك منحه سلطة تعيين موظفيه، وتحديد احتياجات السفر الخاصة به، ومنحه خطاً مباشراً لتقديم التقارير إلى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.
وقد عارضت مولي في الطلب في البداية، وفقاً لمصدر دبلوماسي مطلع. لكنها رضخت فيما بعد ووقعت على هذا الترتيب. لكن مكتب بلينكن رفض الطلب، وأصر على أن بيرييلو، مثل مبعوثي وزارة الخارجية الآخرين، يقدم تقاريره من خلال المكتب المعني في هذه الحالة، مكتب الشؤون الأفريقية، حسبما قال المصدر لـ(ديفيكس)، رفض بيرييلو العرض، لكنه تراجع عن موقفه منذ ذلك الحين وقَبِلَ الوظيفة. وهو ينتظر حالياً الحصول على التصريح الأمني القياسي وعملية التدقيق التي تسبق مثل تلك التعيينات العليا.
في النهاية، تفوق بيرييلو على العديد من المرشحين المحتملين، بما في ذلك جودفري وجايل سميث، المدير السابق للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والذي استقال مؤخراً من منصبه.
وفي يوم الخميس الماضي، التقى بلينكن مع المشرعين وأبلغهم أنه من المُحتمل أن يعلن عن مبعوث جديد في الأسابيع المقبلة.
صحيفة السوداني