لماذا ميناء بورتسودان؟

لماذا ميناء بورتسودان؟

وثّقت مشاهدُ مصوّرةٌ استمرار النيران جرّاء قصف مسيّرات محيطَي ميناء ومطار بورتسودان، المدينة التي تُعدّ المقرّ المؤقّت للحكومة السودانية. في الإعلان وأمام العلن، هو قصف نُسِب إلى مسيّرة لقوات الدعم السريع أدّى إلى اشتعال حريق هائل في مستودعات الوقود في الميناء (في الخامس من مايو/ أيار الجاري). لكن المتابع يستطيع، في كواليس الضربة، أن يضع إسرائيل في دائرة المتّهمين الرئيسيّين في تنفيذها، لاعتبارات لها علاقة بصراعها في المنطقة مع المحور الإيراني. لهذا، يُطرح السؤال: لِمَ ميناء بورتسودان تحديداً، وهل سنشهد ضربات لموانئ عربية أخرى؟

في إطار الصراع العسكري في السودان (منذ 15 إبريل/ نيسان 2023)، الذي أخذ شكل الحرب الأهلية بين القوّات المسلّحة السودانية التي يقودها رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أوّل عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بات كلّ شيء غير مُستبعَد، ولا سيّما أن الحرب بينهما دخلت مراحل متقدّمة بعدما استطاعت قوات البرهان طرد قوات حميدتي من العاصمة الخرطوم في مارس/ آذار الماضي. دخل السودان ساحة الصراعات الدولية، فدخله اللاعبون الإقليميون مستغلّين صراع الإخوة على السلطة في سبيل تعزيز النفوذ وحماية المصالح. لهذا، لم يأتِ قرار الحكومة السودانية دونكيشوتياً في توجيه اتهاماتها إلى من يحرّك قوات الدعم السريع، تحديداً إلى دولة الإمارات، وسارعت، الثلاثاء الماضي، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية معها. لكن لا يحصل أي تفجيرٍ في المنطقة إلا تكون إسرائيل وراءه، فلا حدود لجنون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، لأنّ المطلوب بنظره إشعال فتيل الحرب من أجل إقصاء إيران ونفوذها في المنطقة.

ليس عبثياً ما أعلنه نتنياهو (الثلاثاء) عقب الغارات الإسرائيلية العنيفة التي أخرجت مطار صنعاء من العمل، من أن الدعم الإيراني السبب الرئيس للدفع بحركة الحوثي إلى قصف مطار بن غوريون، ما أدّى إلى تعليق شركات طيران كثيرة رحلاتها إلى إسرائيل. فنتنياهو اعترف: “أسقطنا نظام بشّار الأسد الذي كان حلقة الوصل بين حزب الله وإيران”، متوعّداً بأنه سينفّذ “المزيد من الهجمات ضدّ الحوثيين، وسيتحرّك ضدّهم كما فعل سابقاً”. ولكن، ماذا يعني ضدهم؟ هل هو ملتزم بالردّ داخل مناطق حكم الحركة في اليمن، أم يمكن أن تكون هناك نيّة التوسيع لتطاول ممرّات السلاح من إيران؟

دخل السودان ساحة الصراعات الدولية، فدخله اللاعبون الإقليميون مستغلّين صراع الإخوة على السلطة في سبيل تعزيز النفوذ وحماية المصالح

يهتم الإسرائيلي بموضوع قطع الإمدادات بين إيران ووكلائها في المنطقة، لهذا شكّل موضوع قطع الإمدادات الإيرانية العسكرية عن جماعة الحوثي الهاجس الأبرز عند نتنياهو وفريق حكومته، في ظلّ التصعيد النوعي أخيراً. هذا ما حفّز إسرائيل على رفع وتيرة ضرباتها الخارجية، فأصبح هدفاً عندها كلُّ ما تجده ممرّاً للسلاح.

وبعد سقوط النظام السوري وهروب بشّار الأسد إلى روسيا (في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024)، كان لا بدّ لإيران من إيجاد ممرّ بديل، خصوصاً أن المسؤولين في طهران اتّخذوا قراراً استراتيجياً بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان بمواصلة تسليح جماعاتها، هذا ما ذُكِر في تقرير نشره معهد ألما الإسرائيلي للدراسات الأمنية والاستراتيجية في فبراير/ شباط الماضي. صعوبات وتحدّيات يواجهها الإيرانيون وحزب الله والحوثيون، مع انهيار الممرّ عبر العراق وسورية إلى لبنان. كان هذا الممرّ بمثابة بنية تحتية استراتيجية إيرانية تهدف طهران منها إلى ترسيخ محورها في المنطقة عسكرياً واقتصادياً ودينياً وأيديولوجياً. يكشف التقرير وصول مستشارين من الحرس الثوري إلى بيروت، وهم يعملون حالياً بشكل وثيق مع عناصر حزب الله في إطار جهود تعزيز قوته المتجدّدة، في الجوانب العسكرية، وأيضاً المدنية. لهذا بات السؤال يُطرَح عن البديل المطلوب بهدف الاستفادة منه لتمرير السلاح، بالاستفادة من الجولات الناجحة من المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في إزالة خطر التعقّب الأميركي، تحديداً بعد القرار المفاجئ (الثلاثاء) للرئيس ترامب بوقف هجماته على اليمن بعد إعلانه استسلام الحركة.

قطع الإمدادات الإيرانية العسكرية عن جماعة الحوثي هاجس أبرز عند نتنياهو

تستفيد طهران من حالة المماطلة في شأن ملفّها النووي، وتعمل على استغلال الوقت مع واشنطن في الأجواء الإيجابية التي عبّرت عنها تصاريح الدولتَين. كما وتعمل القيادة في طهران على إيجاد ممرّات بديلة من خطّ سورية، فكان ميناء بورتسودان الخيار الأنسب، فهذا ما وضعه ضمن دائرة الاستهداف. من أجل تحقيق هدف المرور عبر السودان، يمكن لإيران استخدام منطقتَين جغرافيتَين، في ليبيا، وهو احتمال كبير، وفي مصر وهو واحتمال ضعيف. لهذا ذهب خيار الإيرانيين نحو ليبيا، إذ يؤكّد المعنيون الإيرانيون أن الفضاء الجغرافي الليبي قد يكون أكثر ملاءمةً لنشاط ممرّ التهريب الإيراني، مستفيدين من الحدود المشتركة بين ليبيا والسودان، ومعظمها غير مراقب. إضافة إلى الحدود الليبية السودانية، يستفيد الإيراني من سيطرة الجيش الليبي الخاضع للواء خليفة حفتر، الذي يتمتّع بعلاقة ممتازة مع الروسي حليف إيران. لهذا يستسهل الإيراني الوصول إلى الساحل الليبي جنوبي بنغازي لإتمام عمليات التهريب إلى لبنان بحراً.

شهدت العلاقة السودانية الإيرانية تحسّناً ملحوظاً بعد قطيعة دامت أكثر من ثماني سنوات، عندما أعاد البلدان تبادل سفيريهما في يوليو/ تمّوز الماضي، وسط تساؤلات حول المصالح التي يحقّقها استئناف علاقاتهما. ونقلت وكالة بلومبيرغ عن مسؤولين سودانيين، في وقت سابق، أن طهران تفاوضت مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان، مشيرةً إلى أن هذه المفاوضات أصبحت أكثر أهمية عقب هزيمة إيران في سورية. اهتمام إيران بميناء بورتسودان في السودان حرّك الممتعضين لفرملة الاندفاعة الإيرانية نحو السودان بتوجيه رسائلها بتنفيذ الضربة، ولكن السؤال وسط توسّع النفوذ الإيراني في القارّة السمراء، وعند مياه البحر المتوسّط، هل ستكتفي إسرائيل، ومن يدور في فلكها ممتعضاً، بضرب ميناء بنغازي الليبي أيضاً؟

جيرار ديي



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.